2- تـمهـيـــــــد

رينيه انطون  - 12 آب 2023

 

رُبّ متسائلٍ لِما هي هذه الصفحة، خصوصًا وأنّ معظم موادها يعود إلى فترة زمنيّة خلت، قد تكون مُحاطةً بظروفٍ كنسيّة ومجتمعيّة مختلفة.

أتسلّل الى الجواب من الاشارة الى واقعةٍ واكبت مقالتي الأولى في مجلّة النور العام 1978 المدرجة في الصفحة بعنوان "التوجيه الاجتماعي للأطفال"، والتي أتت ردًا على طروحات لأخٍ، مسؤول كبير في الحركة، في حلقةٍ للمسؤولين، تتناقض وقناعات نشأتُ عليها بفعل تأثّري بكتابات الأخ كوستي بندلي في موضوع المقالة.

الواقعة، هذه،  أثارت لديّ، يومها، تساؤلات حول ماهيّة الحركة والاختلافات والوحدة فيها، وأضاءَت على جهلي بها رغم انغماسي، اليوميّ، في حياتها، ودعتني إلى أن أعرف الحركة،  لا أن أعرف عنها وحسب. وسبيل الأمر كانَ في أن أرسّخ تماسي مع تاريخها ومناسباتها، وتواصلي مع مؤسّسيها وقادتها، ومتابعة ما يكتبون ويَسردون، ومرافقتهم في ما يواجهون، وبه ينفعلون ويتفاعلون، وأغوص في فكرها ومقارباتها عبر مجلّة النور، لأتلمّسها  مُعاشةً، بالمسيح، في مفاصل مسيرتها، وبأبعادها وآفاقها. وهذا كان السبيل، المُتاح يومَ لم يكن من وسائل تواصل وتفاعل واتصّال أخرى.

هذا ما نمّى تأثّري بالأخ كوستي، وبآباء وإخوة، قادة، آخرين، وكَشف لي أنّ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة هي غير تلكَ التي كانت تسكُنُني، هي غير ذلك الخطر الذي قد يسكن كلًا منّا في أيّ مكان أو زمان إنْ بقي في جَهله بها. فهي الحالة وليست المؤسّسة أو التنظيم، والتيّار وليست الجمعيّة، والمربّية وليست المُدرّسة، والحاضنة وليست الموبّخة، والمتلطّفة وليست المترصّدة. وهي ساحة التنوّع في وجوهِ  ترجمـة المبادئ  الستّة، الواحدة، المرتكزة إلى الأساس الانجيليّ الواحد.

المبادئ الستّة - الواحدة لأنّها وحدة. لا ينفصل فيها مبدأٌ عن آخر. لكَ، كحركيّ، أن تجتهد، وتبتدع، ما تشاء في سبلِ ترجمة كلّ منها في حياتك، وليس لك أبدًا أن تُهمِل أو تجتهد في الأساس، أي أن تنتقي منها ما تشاء، وألا تنهض بذاتك الى هويّة الإبن الملتزم  قضيّة الخلاص، وألا تُحبّ، وتخدم، الفقراء، وألا تلفظ التعصّب والطائفيّة والانغلاق، لأنّ ما ليس لك يجرح المسيح. تجتهد وتبتدع في الترجمة لأنّ الحركة ليست مرتعًا  لفكرٍ انسانيّ واحد، ولا لوجهٍ واحد، بل للحبّ الواحد والهاجس الواحد والشخوص الواحد والإخلاص الواحد والحلم الواحد بخلاصٍ بربّ واحد وكنيسة نقيّة، بنقاوة سيّدها، واحدة. وهذا خلاصته أنّ الحركة رحمٌ واحد، من رحم الكنيسة الواحد، لأبناءٍ فيهم من اختلاف الألوان ما يجمّل لوحة الوحدة فيها ويمهرها بختم الثالوث وتوقيع الروح.

فلما هذه الصفحة؟

باختصار، لتكونَ، بأسلوب اليوم ووسائل اليوم، بابًا من أبوابِ التواصل والتماس السَهِل للأجيال الحركيّة مع محطّات لحركتهم، وفكرٍ ومسيرةٍ ورزمةٍ من حياتها بانفعالاتها وتفاعلاتها في مرحلةٍ سبقت، خاصةً في العقدين الأخيرين. أيّ لتكونَ في خدمة معرفة الحركة والتربية والوعي فيها، وسندًا للمرشدين والقادة، إن شاؤوا، في مسيرة قيادة هذه الأجيال الى الوعي في المسيح. فالحركة المرجوّة هيَ هيَ، أيًا كانت الأزمنة والظروف، لأنّها من محبّة المسيح، و"المسيح  هوَ هوَ".

 ولكونها صفحةٌ انوجدت، يُزاد رجاءٌ بأن تنبسط حروفها في العيون التي قد تمرّ بها علّ في هذه الحروف ما هو مِنَ الكلمة، فيغيّر لأحدٍ الطريقَ كاشفًا له سبيلَ السماء.

هذا كلّه على الرجاء، والرجاء فقط.

فربّ من السطور الكثيرة فيها ما قد يكون في حقيقته، أو يرى فيه البعضُ، لغوًا. إلا أنّ هذا لا ينفي أنّ هذه السطور أولَدها عُشقي لِما، ولمَن، قلبَ وجهة حياتي وولدَني في مسيرة سعيٍ إلى المسيح، قد أصل في خاتمتها، برحمته وحنانه، إلى تلمّس وجههِ الحلوِ أو لا أصل لكثرة الزؤان في نفسي. وأولَدها تعلّقي بأن يرثّ كلّ حركيّ ما ورثته، وغيري من أبناء جيلي، مِن "وديعة"، وأن يُعطى كلّ إنسان أن يسلكَ ما سلكته من مسارٍ، رغم كلّ الضعفات، في ضياءِ هذه الشركة الحركيّة الرائعة.

ختامًا، تبقى الحاجة الأهمّ وهي ليست الى هذه الصفحة وإنّما إلى صفحاتٍ وصفحات سبقَتها، كُتِبت في قلوبٍ ونفوسٍ كثيرة بقلمِ  والِدِين حركيّين، وبالحبر الممزوج بالدم، ومنها تكوّنت كلّ ومضةِ وعيٍ والتزام لقضيّة المسيح والخلاص فيّ وفي كثيرين، هذا إن وُجدت. فالرجاء الكبير أن نُعطى في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة لملمَة هذه الصفحات لتمتدّ حروفها، من جديد، كلماتٍ خلاصيّة في قلوبٍ ونفوسٍ جديدة.  

والشكر لله دائمًا.

 

 

 

 

 

 

المشاركات الشائعة