هل نُلبّي المرجوّات ؟
رينيه أنطون - 29 كانون الثاني 2025
ظنّي
ممّا يحوطنا، اليوم، أنّ الأبعادَ الشهاديّة لإيماننا، وطنيّة كانت أم مجتمعيّة،
باتَت تتقدّم ليتصدَّر تجلّيها فينا المرجوّات. فهل نُلبّي؟
لم
أقلق، يومًا، لما واجَهَ عملَ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، ويواجهه، من صعوباتٍ
مُحيطة. فلطالما كانَ يقيني أنّ هذه زائلةٌ لأنّ الروحَ الذي أوجَد الحركةَ صائنٌ،
أبدًا، للإخلاص الذي فيها.
لكن،
كثيرًا ما تُقلقُني المخاطرُ الذاتيّة، مخاطرُ "الحركة" على الحركة،
أعني مخاطرنا، نحن الحركيّين، على سلامَةِ الرؤية فيها، وإنْ لا تَمسّ هذه المخاطر
الاخلاصَ لقضيّة المسيح.
مثالًا
ودونَ حصر، أقلق من الاكتفاءِ بالشخوصِ إلى التقوى، المقرونَةَ بمعلوماتٍ
دينيّة وحُسنِ الخُلقِ والسيرة، كسِماتٍ لكمالِ الهويّة النهضويّة التي ترتجيها
الحركة في أعضائها. فتراثنا يقول أنّها بعضٌ مِن تلكَ السمات، وليست كلّها،
ومُنطلَقٌ لمسيرة نموّ الشخصِ في محبّة الله، وفَهمه، ومعرفته كسبيلِ نهوضٍ به.
وتقليدُنا لم يشهد، في محطّةٍ من محطّاته، على غير ذلك.
ومثالًا أيضًا، أقلق من الاكتفاء بانتظام الحياة الحركيّة الداخليّة، تعليمًا ونشاطًا وبعضَ اطلالات ضيّقة، ومدِّها بالحيويّة والتقنيّات والحاجات، أو من الاكتفاءِ بالسعي إلى هذا الانتظام، للقولِ بكمال الخدمة التي دُعِيَت إليها الحركة. فتراثنا يقول أنّ الحياةَ، هذه، التي وُجدت لزرع بُعدِ التزام الربّ وبُعدِ الجماعةِ في الشخص، لا تَكمل بغير أن تكونَ أيضًا ساحةَ تمرّس على ترجمة هذين البُعدين في النطاق الأشمل. أيّ لا تكمل بغيرِ أن يكون بُعدُ الشهادة فيها، بُعدُ الخروج بالربّ وفكره إلى حيث يستطيع كلّ مرءٍ الوصول، جليًّا فيها، وليدًا للبُعدين. هذا لكوننا، في الحركة، لم نفهم الشهادةَ يومًا غيرَ بشارةٍ حيّة بيسوع.
فلِتَكملَ
الورشة وتتجلّى كلّ السمات، يبقى للحركة تتمّة. وليس لهذا السبّب وحسب، وإنّما لئلّا تكون الحركة آسِرةً للربّ في محدوديّة الأمكنة والآفاق لدى أبنائها أيضًا. التتمّة أن تصيرَ التربيةُ
في الحركةِ بساحاتِ الترجمة ووسعها ومداها وكثافةِ ميادينها قُبلةً للأبناء، وهَمًّا
لهم وقضيّة. وهذا لا يكون بالانفصال، والفصل، عن الجذور الحركيّة المعجونة بهذا
الهمّ، ورحِم استقامة الرؤية، وإنّما بالالتصاق، ولصقِ الشبيبة، بها. يُخطئ كثيرًا
مَن يعتقد بأنّ الغربةَ والتغريبَ عن الجذور هو معالمُ جدّة. هي معالمُ عتاقةٍ
وسطحيّةِ تعاطٍ بامتياز. الجدّة الحقيقيّة هي في القدرة على ابتداعِ من السُبلِ ما
يؤول إلى أن تكون الجذورُ مُمتصَّةً من شبابِ اليوم حتّى العظم، فاعلةً فيه
وبازغةً منه.
اختصاره،
التزامُ قضيّة الربّ في الحركة رحلةٌ في المسيح وبه، تبدأ بمعرفته ولا تنتهي بها،
بل بتنصيب الأبناء قاماتٍ في الأرض مِن عُلى الانجيل. قامات شدّت ما أمكَن من أهل
الأرض، وممّا فيها، إلى هذا العُلى.
إنْ
انتهَينا إلى هذا باستحقاق، إنْ انطلَقنا في هذه الرحلة إلى مَن، وما، حولَنا
فائحين بنكهةِ مسيحنا، عاكسين لضيائه وغارسين لبذور ملكوته، انتهينا إلى كمال
الهويّة النهضويّة فينا، وإلا لبقينا مُريدين، موعوظين.
أمّا
الرعيّة، فلا داعِ لتأكيدِ أنّنا فيها ومنها، وأنّ أيّ انطلاقٍ شهاديّ لنا لا
يستقيم بغيرِ أن ينطلق منها مقرونًا بفعاليّة حضورنا فيها.
أوطاننا
ومجتمعاتنا وثقافات، حولنا، تنتظر اطلالةً لفكرِ الانجيل وضيائه عليها، تمسح
عنها وفيها الظلمات. فهَل ننطَلق بهذا الفكرِ، وضيائه، إنْ مَلَكناه؟