التغيير في سوريا

رينيه أنطون - 12 كانون الأوّل 2024


1- ليسَ ما يَصدُم في ما يتكشَّف، وسيتكشّف لاحقًا، بنتيجة التغيير، وإنّما ما يؤلم ويَجرح. فرغم أنّ الأمرَ شأنه شأن كلّ ما يُبان بعد زوال الأنظمة الشموليّة، إلا أنّ المشهدَ جارحٌ حتّى العظم. فالحدث، إلى ما كشفَه من هولِ مآسٍ وارتكاباتٍ، عَرّى فيكَ وحشيّةً نسجَها الصمتُ والتجاهل واللامبالاة. هذا مهما كانت وتداخلت وتعدّدت الأسباب .

2- الرجاء، اليوم، أن يكونَ هذا التغيير عبورًا سلاميًّا حقيقيًّا إلى حرّيةِ الرأي والمُعتقد والعيش، وأولويّة صون الانسان، وأن يكونَ الحدثَ المِفصَل. فلا نتجاهل بعد أنَّ المستبِدّين بشعوبهم لا يقلّون شرًّا واجرامًا واستباحةً للانسان عن عدوّ ومُحتَلّ، وأنّ المُستَبَدَّ به انسانٌ غايةٌ هوَ، أيضًا، وحقَّه في التخلّص من استبداد الحكّام لا يقلّ شأنًا وأولويّة وأهميّةً ومكانةً، في معايير الايمان والأخلاق والقِيَم الانسانيّة، عن أيّ حقّ آخر، بما فيه حقّ التحرّر من احتلالات الأعداء، وأنّ بالاستبداد لا تُبنى أوطان ولا تُحمى جماعة ولا تتحرَّر بلاد ولا يخلُد مرءٌ ولا تصحُّ قضيّة.

3- ورغم أنّ الكيان الإسرائيليّ يتصاعد عنفه وعربدته واجرامه منذ ما قبل الحدث السوري، في غزّة ولبنان، وإلى ما بعده، في سوريا، يبقى الرجاء، أيضًا، أن يكونَ التغيير سبيلًا لنُدرِك أنّ ليسَ مِن سلاحٍ لتحرير فلسطين أجدى وأنفعَ مِن إحاطةِ الكيان المُغتصِب بوعيٍ التزاميّ، جماعيّ، سياسيّ، فكريّ، ثقافيّ، وليدِ بلدانٍ ومجتمعات مُرتقية بسلطاتها وقوانينها وممارساتها وعدالتها وتعدّدها وحرّيتها، وأنّ ليسَ من طريقٍ أسرَع من هذا، وأقلَّ عُنفًا وتكلفةً إنسانيّة. فمثل هذا الوعي، ومثل هذه المجتمعات المُحيطة، هو أساسٌ إليه يَرتكز، وبه يستقيم ويقوى، كلُّ سعيٍ وجهاد لأجل مدّ العدالة إلى حيث الظلم، والفكر المستنير إلى حيث الظُلمة. فالظلمُ لا يُزيله غيرُ العادلين، والظلمة لا يحجبها غيرُ المستنيرين.

4- أمّا معمودية القلق والخوف واللاطمأنينة والتمخّضات والصعوبات، التي نهابها، في الطريق إلى تحقيقِ التطلّعات، فهي النفق الأوحد الآيل إلى النور، أكانَ زمان العبور اليوم أو غدًا أو بعده. هذا ما علّمنا إيّاه تاريخُ الشعوب، وهو التاريخ الذي أجابَ، أيضًا، على القولِ بعدم أهليّة شعوب المنطقة للحرّية بأنّ أيّ تأهّل سبيله الاختبار، وأنّ ليسَ من شعبٍ أُهِّل لحرّيته قبل أن يُدركها ويتلمّسها ويعشها. فعلى هذا الرجاء.