طوني بيطـار - الشريط

رينيه أنطون - 2023


* النصّ الصوتي للشريط التوثيقيّ


سفراءٌ، هُم،... مُكلَّفون بمحوِ الغربةِ بين أهل الدنيا وإلهٍ عشقَهم وجوهًا تقتات من ثمار السماء وتتربّع على كرسيّ الأبد...

يعبرون بنا أطيافًا لثورةِ حبٍّ أطلقها على الصليب… يمرّون لُطفًا يَصهرُ الأحقاد وزُهدًا يخنقُ الأهواء... يعتلون الضمائرَ رحالةً يصطحبون الكتاب، وهمساتِ حقّ تسكن الآذان…يسكنون العيون وجوهًا مُنَصَّبَةً على مائدة المُختارين… يطوّعُون بجهادهم الأزمنة ويضمّون بأجسادهم المسافات... يجولون بمذاييع الملائكة ويوقظون الناس بأجراس السماء... ولمّا تُشَرَّعُ، مِن حولهم، القلوب وتُستباحُ النفوس لتكونَ، ليس لذواتهم موطئًا، بل لربّهم وروحِه مسكِنًا ومرتِعًا، يعلنون انتهاء المهمَّة ويفنى فيهم الفناء... ويصيرون خطًّا مِن نقش الروح في وجهِ المصلوب الناهضِ من القبر، سيّد الأرض ومالك السماء.

في السادس من كانون الثاني من العام ١٩٤٧ ولد نقشٌ في ذلك الوجه، خطٌّ من خطوط العشق فيه. الأخ أنطوان نقولا بيطار.

انتسب، طوني، الى حركة الشبيبة الأرثوذكسية طفلًا دونَ أن يدرك أنه سيُرسَم يومًا قائدًا في مصفّ الشهود المتألّقين بالكلمة. ففي هذه المسيرة، سحرته محبّة يسوع، أخذته بساطة الانجيل، ارتكضت عظامُه بمشهدِ ربٍّ، طفلٍ، مولودٍ في مغارةٍ، ولوحةِ ألوهةٍ معلّقة على الصليب. صعُبَ على القائد أن يفوتَ أحدٌ من المدعوّين سِحرَ المشهد، وألا يكون أحدٌ من الرفاق ذوّاقًا لطعم الخلاص، فأعلنَ رسوليته حاملًا الربّ ترحالًا وأكلًا وشربًا ونُطقًا وهمًّا وسلوكًا ليستحيلَ مرآةً متحرّكة لما تحمله أوراق الانجيل من حروفٍ وكلمات.

لصيقًا، أحيانًا، برجل الله، المطران بولس بندلي، وبرفقة زوجته إيرين أكثر الأحيان، انطلق طوني في رحلة دعوة الشباب الى تذوّق طعمَ القربِ من يسوع والخلاص به. رأى أقصر الطرق عبر التعريف بحركة الشبيبة الأرثوذكسية وتأسيس ركائز لها في أماكنٍ مختلفة وقلوب. فجالَ، كرسل الكنيسة الأولى، عكّار والمنية والضنّية والكورة والجنوب والبقاع، متشبّثًا بمجّانيةٍ كذرّة وفاءٍ لمجانية الفداء، ناثرًا بذورًا من حروف الحركة وفكرها وحكايات مؤسّسيها في قلوبِ صغارٍ وكبار. فكانَ، حيثما حلّ في سفينته البحرية، أنْ استحالت النفوس مرفًا آمنًا لالتزام قضيّة الربّ، وكنيسته، وعُشقِه للانسان.

مُسلَّحًا بخبرةِ أخوّة ورفقة وارشادٍ مُحتَضِن اكتسبها في فرعِ الميناء، أبحرَ طوني الى ربّه في الشباب. هو الفرع الذي عشِق، وفيه أطربته وجوهٌ، استحالَت، بانتقالها وجهًا واحدًا، جمَع فكرَ الله ورعدَ أنبيائه وصبرَه الالهيّ وحبَّه للبسطاء واحتضانَه للفقراء،  وهو الفرع الذي، فيه، زاملته وجوهٌ اصطفّت أسماؤها خلفَ شفيعٍ للمدينة لتولَد فيها، وبها، فرقة سكَنَها طوني، دُعيت بالنبّي الياس.

لم يعنِ طوني فكرٌ أو لاهوتٌ غيرَ ذاك الحيّ، المتجسّد، المتحرّك إلى أن يتوَّج الربّ في قلوب البشر، برحمته وحنانه، ملكًا، دون أن يكون من مَلك وسيّدٍ، فيها، سواه، وأن يجتاح انجيلُه عقولَهم ويملأها فكرًا دونَ أن يكون من فكرٍ فيها عداه. فشغلَه، ولئلّا تزعزع أهواءُ الحياة ثباته، تحصينَ أهليّته في عينيّ الربّ بالاختلاء إليه صلاةً وهواءً وغذاءً، بتوجيهِ هذا الأب أو ذاك، وحيث وجدت هذه الشركة الرهبانية، أو تلك، الناشدة خاصّيتها للمسيح بالصلاة.

يومًا، نقل أحد الأخوة عن البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم قوله: "القدّيسون أمامنا، ونحن لا نراهم".

أن يكون الله، ألف وجودك وياءَه، أن يكون غايةَ النبضِ فيك، أن يصير هوَ موسيقاكَ ومنبع طربكَ، أن تلهثَ خلفَ الحناجر الذهبية في المطران الياس قربان والأب غوريغويوس موسى والأستاذ ديمتري كوتيّا لتؤبّد في آذان الناس ألحان، وقصائد، السماء...

أن تُحفَر إيقونةً منتصبةً صلاةً في ضمائر المُرشَدين...

أن تولَد في الله، وتنمو فيه وبه، وتحجّ إليه شابًا، وتتقاعد،َ في أرضِ النُسكِ إليه، غُصنًا من أشجار زيتونها...

أن تُرعِب الموتَ بيقينكَ القياميّ، وتتجاهل معاناة المرضِ بالشخوص الى رحمة الربِّ وقبوله توبتك إليه...

هي، كلّها، حكايةُ قداسةٍ سمعناها منك. رأيناك، أخ طوني، تصوغها نُطقًا وعيشًا لتحفرها في النفوس، طريقًا لها الى الأبد. فشكرًا لله لمرورك فينا.

__________
* مرشد من الميناء، رسول، مبشِّر ساهم في تأسيس العمل الحركيّ والبشاري في أماكن مختلفة.




المشاركات الشائعة