جورج زريق

رينيه أنطون - 9  شباط 2019 


لا أدري ما الذي شاءَه...

أدري أنّ المعاناة التَحَمت به وصارت وجِلده واحدًا.

أشاءَ أن ينزَعها عنه بإذابة الجلد وتخليد الروح؟

أشاء أن يشكيَ أمره لله؟ أم يشكيَ الكنيسةَ لسيّدها؟

أشاءَ أن يتّكئ على صدر الرحوم إذ لم يجد بيننا رحومًا؟

أم شاءَ أن يَستبق الربّ ويُدينَ لصوصَ الوطن وقساوة القلوب باكرًا؟

صُدقًا لا أدري.

أدري، فقط، أنّنا جميعًا مسؤولون. ليسَ هذا وذاك. ليسَ هذه المؤسّسة وتلك.

فأن يتراكَمَ الموتُ في الفقراء قبل أوانِ رقادهم، هذا معناه أنَّ كلًّا منّا، هنا، دكَّ فيهم حجرًا من مبناه فيهم.

فمَن المسؤول؟

دعونا لا نتستَّر خلفَ متراس الآخر وحسب. كلُّنا نُسأل.

-------------

الدولة، أولاً، المسؤولة عن الأمن الاقتصادي والاجتماعي لمواطنيها، التي صارت بشريحةٍ كبرى منهم أشدَّ حاجة الى فعل الرحمة بها.

السياسيّون، ثانيًا، الناهِشون للمال العام الذين أغرَقوا الوطنَ في هذا الكمّ من الفساد والناس في هذا الكمّ من القهر واليأس.

المواطنون، ثالثًا، التابعون والمستزلمون والمساهِمون بتنصيب هذه الرزمة السياسية، المسؤولة عن الفقر والموت، عقودًا وأبدًا

شرائح المجتمع، رابعًا، الفرديّة الهوى، الصامتة والمدَّجَنة والنائية بنفسها واللامبالية.

شرائح الشباب والشابات، خامسًا، المتخلّية عن وعيها السياسيّ والمجتمعي التغييريّ لصالح الميوعة السائدة في حياتها بأشكالها المُختَلفة.

العقل المؤسّساتي الكنسيّ، سادسًا، العاجز عن تثمير الاوقاف الكنسيّة، الكبيرة، وتحريرها من قيود الجمود لوضع ريعها في خدمة مَن مِن أجلهم أوقِفَت، الفقراء.

نحنُ، جميعًا، سابعًا. المؤمنون الذين كثيرًا ما يتحدثّون بالمحبّة والمشاركة وقليلاً ما يتخلّون ويفعلون ويولون المكانةَ للفقراء. فقليلٌ من الثقة بالربّ، قليل من الافتقار والبساطة، قليلٌ من تأطير المشاركة المالية وجزءٌ بسيط من مصاريف معظمنا، غير الضروريّة، يغيّر الكثير من معاناة الكثيرين.

الصوت الايمانيّ، ثامنًا، المُحتَجِب عن اعلان ارادة الله إزاء قضايا الانسان في مجتمعاتنا، حقوقًا وعدلًا وحرّية، بمتابعة وفعالية.

أمّا مؤسّساتنا الكنسيّة، ورغمَ أنها تقوم بما في وسعها، إنْ شاءَت الاستمرار بشعار الربّ على يافطاتها فكَفاها ادّعاءً فارغًا وضياعًا وعشوائيّة.

لتَبحَث عن غايتِها وهويّتها الضائعة...

لتَبحَث عن خصوصيتها المُفتَقَدة...

لتَبحَث عن تمايز اداراتها الغائب...

لتبحَث عمّا يحصّنها باحتضان الجماعة...

لتَجدهم، وإلا لتَملك شجاعة الأبناء وتعلن: "أنا مِن العالم وله، أنا منه وفيه".

حينها، فقط، يصير الشأنُ شأنَها وليسَ شأن الجماعة.

 

 

 

 

المشاركات الشائعة