النازح، فينا

رينيه أنطون - 25 أيلول 2024


للمؤمن مقاربته الايمانية في كل شأنٍ من شؤون الحياة والتي تتمايز وتختلف، في منطلقاتها وشخوصها، عن أيّ مقاربة أخرى، دون أن يؤدّي هذا، بالضرورة، إلى التناقض المُطلَق مع غيرها من المقاربات.

في الوجدان المجتمعي، عامّة، النازح أو الفقير أو المحتاج إلى متطلّبات أساسيّة للحياة الانسانية هو شخصٌ يستدعي ضعفُه الحنانَ والاحسان والرحمة، ويتجلّى في رعايته والاهتمام به الارتقاء الأخلاقيّ والشخوصَ إلى تعاضدٍ إنسانيّ يساهم، اضافةً الى تلبية الحاجات، في صونِ استقرار المُحيط المجتمعي. وهذا ما يقود، عادةً، الى نشوء هيئاتٍ مُختصّة، قد يكون منها ما هو وليد غايات تنتهز الحالَ الاجتماعيّة وتتخطّى غاية الخدمة وتلبية الحاجات وحسب.

ما يختلف في وجداننا الإيمانيّ أنّ هذا المحتاج، عامّة، والنازح خصوصًا اليوم، هو ساحةٌ من ساحاتِ حبِّ الشخص لربّه وتجسيدِ إيمانه به. "كنت غريبًا فآويتموني". الأمر واضحٌ لا يستدعي نقاشًا. فاحتضان النازح "الغريب" هو صرخة بحبّنا للمسيح، وحاجة لهذا الحبّ، حاجة لامتداده وتفعيله بأبهى سبل تجلّيه فينا. فإنْ وُجِد حولنا صارَ محورًا من محاور وفائنا للربّ وتوبتنا إليه. توبةٌ فيها من وجعِ التخلّي والعطاءِ ما هو شفاءٌ من شهوة التملّك وتشبّه بفقر الهنا واخلائه لذاته من أجلنا. وفيها، ربّما، مِن احتضانِ المختلف بايمانه وقناعاته عنّا ما هو وجهُ شبهٍ باحتضان الربّ لنا، نحنُ الذين اختلفنا، ولم نشأ، بحرّيتنا، أن نكون كما شاءَ هوَ أن نكون

ولأنّ النزوحَ، عامةً، وليدُ قهرٍ وظلمٍ وعنفٍ وحروب وصراعات أمم، ولأنّه، اليوم خصوصًا، وليدُ جرائم صهيونية متمادية، صارَ احتضانُ النازحين توبةً فيها مِن الشغفِ بالحقّ والعدل والسلام في الأرض ما يشابه صلاةً تستدعي ملكوتَ الله إليها، نورًا وسط ظلمة.