تعالوا إلى مملكة الربّ

رينيه أنطون

نشرة الكرمة - 24 نيسان 2011


اليوم، يدخل ربّنا يسوع المسيح أورشليم لينتصر على الموت ويملك على المسكونة بالحبّ والفداء. اليوم، يدخلها وديعًا، مُسالمًا، راكبًا على جحش إبن أتان، مُحاطًا بسعف النخيل وأغصان الزيتون، شاخصًا إلى الجلجلة ليرسم في أرضها وسمائها، بجسده المعلّق على خشبة، الصليبَ رمزًا لمملكته الخلاصية. 

اليوم يقتحم الربّ أورشليم ببساطةٍ قَلَب، من خلالها، ما ساد فيها من ممارسات ومفاهيم، ومعها نَقَض منطق الحكّام والناس في عالمنا. عَكَس المألوف والمُعتاد حتّى صار المُلكُ سعيًا إلى إفتداء الرعية، والوجاهةُ مسارًا قُبلته مُشابَهة البسطاء، والفكرُ طينةَ مَحبّةٍ، ليّنةً، مجبولةً بحنان قلبٍ. فالمملكة التي يدعونا إليها الربّ، هذا اليوم، ليست من ممالك هذا العالم. هي مملكةٌ لا يموت فيها شعبٌ عن حاكم ولا يتصدّر فيها غنيّ على مُحتاج ولا يتعالى فيها عالِمٌ على جاهل. هي مملكةٌ لا تسود عليها الحروب والأهواء، فأحدٌ، فيها، لا ينمو بالسلطة والمال لأنّ الكلّ يتغذّى من غسل الأرجل والعطاء. هي مملكةٌ يَسعد فيها الفقراء لأنّهم على مثال مَلكِهم، وتخلو من انتفاخ الناس لأنّ مَلكَها أفرغ ذاته.

دخولُ الربّ إلى أورشليم يتحدّانا، نحن مسيحييّ هذا الزمان، أن نبسط هذه المملكة على أنقاض ممالك القهر والجشع القائمة في نفوسنا والعالم. يتحدّانا أن نقدر على تجسيد معانٍ وكلمات باتت حروفها مسرى لدمه الالهيّ، وأن نجرؤ على التحرر من تفه تكرارها وسطحية التعامل معها. فلا تبقى "المحبة والتواضع والسلام والغفران" زينةً نصدّر بها تعليمنا وآراءنا وقصائدنا بل نستحيل بها عناوين حياةٍ تسطع في عيون من يرانا وتُحفَر في ضمير من يعرفنا. يتحدّانا أن نمتلك شجاعة الشهادة للحقّ، أيّ له ولفكره، والنُطق به دون أن نحسب حسابًا لأحد أو نبخل لأجله بثمن. بكلمة أخرى، يتحدّانا ألا نخاف، فعلًا، الموت وأن نؤمن، حقًّا، بأنّه قد قام ونثق بأنّ أمانتنا له سترفعنا إلى حياة أبدية قائمة فيه وبه.

ففي زمن يسوده هذا الكمّ من العنف والموت والظلم والقهر، وتمسي فيه القوّة رديفة الحقّ، في عالمٍ يقدّم مشهد إغتصاب القدس، مدينة الربّ، عرضًا يوميًّا، في عالم يُشرَّع فيه اختلاس الناس ليصير كسبًا مشروعًا ويُنظر إلى الانسان وسيلةً رخيصةً  لتسويق التفاهة والحثّ على الهوى، يكبر ما يُرتجى منّا نحن الأبناء الزاحفين خلف حمل الله إلى مملكة الحبّ في أورشليم.

يُرتجى أن نُحرِّر أوساطنا من وصمة اللامبالاة وروح الكسب والأنا، ونبني فيها واحات شركة والتزام وخدمة وسلام نُطلّ بها على العالم مثالًا له وخلاصًا من أزماته. يُرتجى أن نتصدّر حملة استعادة أورشليم إلى مملكة الربّ وندلّ، باسم مسيحنا، على الظالم  ونكون للمظلومين ملاجئ عدالة وحقّ. يُرتجى أن نخلع عنّا علّة الصمت كُلّما علا، حولنا، عويل الموت. يُرتجى أن ننقض مفاهيم العالم ونفتح له، مع فتح الربّ لأورشليم، طريق الخلاص بالمسيح وفكره. يُرتجى أن لا تكون الصلاة في أفواهنا لغوًا والسجود للربّ شكلًا بل استدعاءً ليحلّ خلاص الربّ علينا، وبنا، وعبر شهادتنا، على من يحوط بنا.

 قد نَفرح ويفرح أطفالنا باستذكارنا، اليوم، دخول الربّ أورشليم حاملين الشموع وأغصان الزيتون. لكنّ إن كانت حياتنا كلّها، زياحًا، مُعاشًا، بفكر مسيحنا وعدله ونوره في العالم فإن الربّ سيفرح كثيرًا. 

 

  

 

  



المشاركات الشائعة