أنشطتنا الكنسية

رينيه أنطون

نشرة الكرمة - 16 أيار 2010  

                                                     

تغيب عن بعضنا أحيانًا، في خضمّ خدمته للعائلة الكنسية، أهداف هذه الخدمة وغاياتها. فيتجاهل، في تعاطيـــــه معها، كونها وجهًا من وجوه التزامه الربّ وتكليفًا بتحقيق إرادته في كنيسته. ولكون هذا السلوك كثيرًا ما يتجلّى في الأنشطة التي اعتدنا أن ندعو إليها دعمًا لمشروع وسعيًا إلى مال، يجدر التذكير ببعض الأسس الايمانية التي تصون أنشطتنا مما قد يُفقدها خصوصيتها وهويّتها الكنسية.

أولًا، ما من أمر في الكنيسة ينفصل عن بُعده التعليمي والتربويّ الذي غايته أن يصل بالمؤمنين الى ما يجب أن يكونوا عليه من إيمانٍ وفضائل وعطاء تحقيقًا لخلاصهم بالمسيح. فالأنشطة الكنسية، في تعريفنا، هي واحة يُعاين فيها المؤمنون فرح الشركة ومحبّة الجماعة ووحدة العائلة الكنسية قبل أن تكون وسيلةً لتحقيق غاية مالية  واجتماعية وحسب. ولذلك لا يُقاس نجاحها بمقياس ما تُحقّقه من ريعٍ بل بمقدار ما تتجلّى فيها هذه الوجوه ويغلب فيها فرح اللقاء بين أعضاء العائلة الواحدة على أيّ فرح آخر وما تعكسه من تجنّد كلّ أعضاء الجسد الواحد لتلبية حاجاته.

ثانيًا، إن المال، في رؤيتنا، هو وسيلة ٌ في خدمة شهادتنا وليس غايةً تُشرّع لأجلها الوسائل. وإذ وُجد لخدمة حياة الجماعة والفقراء وجب أن نُراعي في سعينا للحصول عليه ما يحفظ، أولًا، كرامة الجماعة الكنسية وفقرائها. فلا يعلو صخبنا بعطاء هذا او ذاك من الناس، ولا نخصّ أحدًا بما لا نخصّ به الكلّ، مجرِّدين أنشطتنا من بُعدها الشركويّ وغافلين عن شأن "فلس الأرملة" ومكانته في ضمير الجماعة الكنسية. "لأنهّم كلّهم ألقوا من الفاضل عن حاجاتهم، وأمّا هي فإنّها من حاجاتها ألقت جميع ما تملك، كلّ رزقها" (مرقس 12: 44). 

ثالثًا، إن العطاء في الكنيسة هو ترجمةُ انتماء ووعي ومسؤولية إيمانية. ومن وجوه مسؤوليتنا الرعائية أن ننمّي شعبنا في هذا المفهوم ونساعده، في أيّة مُناسبة كانت، على وعي متطلّبات عضويته في جسد المسيح ومسؤوليته عن حاجاته ليكون عطاؤه في خدمة خلاصه. هذا ما يدعونا إلى العمل، بالجدّية المرجوّة من كلّ خادم كنسيّ، لتربية المؤمنين على العطاء الصامت والخفر، الدوري والمُنتظم، ونوجد السبل التي تُسهّل عليهم ذلك، مع ما تقتضيه هذه التربية من إحاطة ورعاية وشرح للأولويات الرعائية وإشراك في تحديدها. وبانتظار أن يشتدّ رباط الوحدة ونرتقي إلى ما نرجوه، في العائلة الكنسية، تبقى الأنشطة الموسمية حاجة ظرفية لا يصحّ أن نرتاح إليها ونصير بها مطلًا يخدم غايات لا تعني الربّ أو "تقليدًا" يُغنينا عن أن نجتهد كيّ تنتفي الحاجة إليها يومًا.

فلنبقى، جميعًا، أمناء لانجيلنا وبساطته، ولنثق بأن حاجات كنيستنا تُعطى، أولًا، من فوق، من الله الذي في وسطها والذي، وحده، يسكب عليها كلّ نعم. وليكن سعينا وعطاؤنا لائقًا، أبدًا، بكنيسة المسيح وإسمه القدّوس.

 

 

 

                                                                     

 

 


المشاركات الشائعة