حركيّـــــات

 رينيه أنطون - 2017                                                       


المؤتمر الحركي

المؤتمر الحركيّ هو المطرح الوحيد الذي فيه ننسج معًا محاكاة رؤيتنا الحركية الواحدة لوجوه حياتنا الالتزامية، اليوم، بصُعُدِها كافةً.

محاكاةٌ نبنيها ارتكازًا الى تقييم المسؤولين لما يحوط بالتزامنا اليوم ومعه تراكم الخبرات الالتزامية الشخصية لأعضاء المؤتمر وخبرات الجماعة المحلّية التي يمثّلون.

لذلك هو من المكانة بحيث يحصّن فينا وحدة الفكر ويُرفقها بوحدة التوجّه، اليوم، بألوانِ اليوم. فعدم إيلائه ما يستحقّ من مشاركة وتمثيل والتزامٍ وإعدادٍ وتنظيم هو بمثابة إهمالٍ للمِفصل الأهمّ في مسيرة التزامنا لقضية الله وكنيسته.


التمثيل في الحركة

لا تنادي الحركة بالتمثيل النسبيّ العددي.

فمثالاً، حين قال النظام الحركيّ بتمثيل المراكز في المؤتمر العام بعددٍ متساو ٍ من المندوبين أيًّا كانت أحجامها فانما شاء التعبير عن الآتي:

إن قامت الرؤية الحركية، باستقامتها، في مكان لوُجِدت حركة الشبيبة الأرثوذكسية فيه بشكلٍ كامل، أكان هذا الوجود عبر عشرة أشخاص أو مئة أو ألف. فالعدد في الحركة ليس مقياسًا لكمال الهويّة. استقامة الرؤية، وإنْ في قلّة من الأشخاص، هي المقياس.

فالتمثيل العددي ليس همًّا. الأهمّ هو أن نحمل الى المؤتمر، والى كلّ اطار وحدويّ أشمل،  هذا الوجود المحلّي - الخبرة المحلّية، أحَمِلَه شخص منّا أو أكثر، بغاية  إغنائه بالآفاق الالتزامية الأوسع وتلقيحه بما يرسّخه في الوحدة ومساهمته في نسج المحاكاة الواحدة. وما يسري على المراكز نخصّ به الأمانة العامة نظرًا لشمولية تمثيل الأمين العام للحركة الواحدة. فالكلّ كواحد، والواحد، المحلّي، كالكلّ.

أمّا تعدّد الأشخاص في التمثيل المتساوي (خمسة لكلّ مركز مثلاً) فغايته إغناء التفاعل بمزيد من خبرات وآراء الأشخاص الملحوظ تأثّرهم وتأثيرهم الحركيّ.

فكلّ عضوٍ مُنتَدَب، الى جانب نقله الخبرة المحلّية وتمثيلها كاملاً،  يُنشَد رأيه الشخصي المتأثّر والمغتني بها ليتكوَّن كلّ مؤتمر منه، تحديدًا بالإسم، ومن كلٍّ من سائر الأعضاء، تحديدًا بأسمائهم.


الشورى- الجماعة

هذا لأنّ مكانة الشورى في حياة الحركة لا تُستَمَدّ من النصّ الذي تقدّم نظامها الداخلي وحسب، بل، أساسًا، من المكانة المتصدّرة التي تكتسبها الجماعة في ضمير كلّ مسؤول.

المسؤول في الحركة يعي أن تكليفَه هو التعب لخدمة الاخوة. وأيًّا كانَت السِمات التي لحظوها فيه، تبقى قناعته أنّ الله ما ألهَمهم الى اختياره  لكمالٍ فيه وانما التفاتًا الى ضعفه وعدم استحقاقه بغاية أن يقوى بخدمتهم ويغتني بمشورتهم وينمو، باحتضانهم له، في مزيدٍ من الحكمة ووجوه الالتزام.

هو يمثّل الجماعة ولا يختصرها. لا يختصرها لكونه يحمل رؤيتها، هيَ، وينقل خبرتها ويعمل بموجب توجّهاتها وقراراتها. هو في الخدمة أمامها، يقود ويحكم ويتابع وينشّط ويحفّز ويبادر،  أما في القرار  فدائمًا خلفها اذا ما استدعى التدبير، استثنائيًا، غير ذلك. يقينُ المسؤول أن النجاح، إن رافق خدمته، فإنما أسبابه هي لنعمة الربّ المسكوبة عليه عبرَ حضور الجماعة وفعلها فيه، وأنّ المرآة التي تعكس له حقيقة النجاح والفشل هي مرآة الأخوّة التي يقف أمامها مُعرِضًا عن مرآة ذاته.

قد تُكشَف له مُعطيات تغيب عن البقيّة، وقد يرتأي وفقها، ومن موقعه القياديّ، حاجةً للجماعة لا تلحظها هي لذاتها. يلجأ إذ ذاك الى بسط  قناعاته أمامها، فإن خاطَبَت، هذه، ضميرَها  سار  والأخوة الى حيث ارتأى، وإن لم تفعل أدركَ حينها أنّ ما تراءى له إنّما هو وليدُ عينيه الشخصيّتين وليس وليدَ عينيّ الربّ في  وجه الجماعة.

لذلك ليست الشورى قيمة تُضاف الى حياة الحركة. هي مقياس استقامة الخدمة فيها. هي تعكس، إضافةً الى وداعة الأولّ، إقراره بحاجته الدائمةً الى الكمال في الربّ، وتعكس شخوصَه الى أن تصبّ ثمار تعبه في خدمة القضية.

الشورى، في بُعدها الايمانيّ، توبةٌ الى الربّ في شركة الاخوة.


الحالة والمؤسّسة

الحركة حالةُ نهوض، كنسية، بالمسيح على كافة الأصعدة، تشخص إلى أن ينعكس هذا النهوض ويحلّ أينما يحلّ أعضاؤها. 

التنظيم وأطره، فيها، وُجد لتظهير هذه الحالة باللياقة والترتيب. هذا ما يقود الى اللاحاجة واللانكهة لأي وضع مؤسّساتي ناشئٍ فيها يتخطّى هدف وجوده، سبيلاً، ليصير غايةً.

فمثالاً وليس حصرًا...

-العمل التربوي، إن لم يأتِ من فيض هذا النهوض، الشخصي، لأعضائها بالمسيح، وأعاق الانهماك فيه سعيَهم إليه، بات عبئًا عليها.

-العمل الاجتماعي، إن لم يولد من فيض "فعل المحبّةوروح التخلّي والشركة في الشخص، وأمسى شأنـاً مُلزَّمـًا، باتَ لا مكانة له في ضميرها.

-الفرقة، إن أمست عصبة قومٍ، وتغرّبت عن كونها مطلاً للمسيح على المحجوب عنهم ونداءً لهم الى جمال الشركة فيه، باتت ليست منها.

-المسؤولية، إن راوحت في ذاتها ولم تصر عبورًا الى أن تُسأَل عن الكنيسة وهمومها وراية الانجيل في المجتمع، باتت طعنةً لهويتها.

الخ......

خلاصة، الحركة وُجدت لتوجدَ، بأعضائها، خارج ذاتها داخل الرحاب المحيطة. الحركة المأسورة للأَشكال، لحاجات المأسسة فيها، حركة غريبة عن الحركة.


النظام والقانون

هذا لأنّ الحركة ليست مؤسسةً او تنظيمًا. كلّ ما يعكس فيها هذه الهوية فقط هو وجه ضعف. الحركة  هي حالة وعي إيمانيّ، التزامي، شهاديّ، ورشة بناء شخصيّ في هذا الوعي. القانون فيها ليس غاية، وليس من مكانة متصدرة له. هو وسيلة وجدت ليكون حضور هذه الحالة وتعبيرها عن ذاتها بلياقة مرجوّة وترتيب. الشخص في الحركة، مشروع "الابنفي المسيح هو الغاية. هذا "الابن" لا تلده حروف القوانين الحركية. والتقيّد بالقوانين لا يعكس، حقيقةً وبالضرورة، حالةَ البنوّة، كما أنّ تألّق وجوه التنظيم في الحركة وتفرعاته النشاطاتية لا يعكس حقيقة وبالضرورة نجاح الحركة في مسعاها ولا هويتها. الاعتقاد بعكس ذلك هو تسطيح للبلاغة الحركية، للنهضة وجهلٌ بها.

لذا الحاكم في الحركة هي المحبة المربّية البانية الذي يعكس الالتزام بالقوانين بعضًا من نجاحها أو فشلها، وبشكلٍ نسبيّ، أمّا المرجع الدائم  فيها هو ما يثبّت الاشخاص  في سعيهم الى التزام الربّ وعدم التفريط بالحرص على هذا. هذا ما نحن في سعيٍ اليه. نبني بعضنا البعض  في الوعي. نقرأ القانون تجسيدًا لمحبتنا، أي إعلاءً للأخوّة والجماعة في ضمائرنا، نستشفّ منه الغايةَ دون أن نُستعبَد للحرف فيه، نعمل تحقيقًا للغاية وليس تنفيذًا للحرف لأننا أحرارٌ في الروح. كلّ ما يعكس غير هذا التوجّه، أينما كان، هو  جنوح.


الوحدة

ختامًا، يبقى شأن الوحدة. هي ليست شعارًا. إنها نحن، إذ لا عضوية ولا هويّة ولا دور ولا لون ولا نكهة ولا وسيلة ولا غاية ولا أمر في الحركة، لا بل لا حركة، الا بها وفيها.

حركيّتُنـا منبعُهـا كنسيّتنا. نحن ننبع، نولد، واحدًا من الجسد الواحد، وإن بانَ فينا غيرَ ذلك فهو ليس منه وله، بل من خطايانا ولها.

لعلّنا نُخطئ، في الحركة، حين نتحدّث بترسيخ الوحدة. فنحن، بطبيعتنا البنوية، واحدٌ، وإن كنّا في ألوانٍ وتنوّع مهام.الأصحّ أن نقول بتوبةٍ الى أصلنـا، إلى البنوّة، حيث إن تُبنـا نُفِض غبارُ خطايانا وومضَ فينـا، حياةً، رَسْمُ جسده الواحد.

في سعينا، وأينما أوجدَنا الله، نبقى على تعلّقنا بمن نحن إليه توّابون. نُسمِّر ، في أعيننا، يديه المفتوحتين على الصليب لنسكن، في رحابهما، المكانَ الأوسع ونتمتّع بالرؤيةَ الأشمل، وأينما كانت أقدامنا نبقى مُشرئبيّ الأعناق الى مدى رؤيتنا.

فالمشهد الواحد من فوق يسحرنا، يأخذنا الى أن نكون، حيثما كنّا، مرآةً  لوسع مداه، يُقيمنـا في حال مصالحة مع كوننا جماعة أبناء لا مجموعة أجزاء. يُخرِسُنا عن اللغوِ بأنّ ما لدمشقَ لدمشق وما لبيروت لبيروت وما لطرطوس لطرطوس وما لطرابلس لطرابلس الخ...

فمِن هناك، من قرب محياه، نشهد أنّ هذه كلّها مشهدٌّ واحد، جسد واحد، كلّها لـه، وهو سبقَ وقال بالدم أنّ ما لـه يصير، حكمًـا، لأحبّائـه، لورثته، حيث بـه يُرسَمون، واحدًا، جماعة أبنـاء.


القضايا المجتمعية والثقافية

لمّا أولت مبادئ الحركة أهميّة لمعالجة القضايا المجتمعية ومقاربة الشأن الثقافي فانّما هدفت بذلك الى تحفيز أعضائها على عدم الترفّع عن هذه القضايا ودعوتهم الى الانخراط فيها ترجمةً لفعل المحبّة "ومشاركة للعالم في صياغة حضارته" برؤية الانجيل.

هذا لا يُفهَم منه أن شأن الحركة أن تلدَ، هي ، المؤسسات والأدوار الاجتماعية والثقافية أو أن تنغمس بهذين الصعيدين همًّا أساسيًّا. فرسالتها الأساس تبقى أن تعلي في أعضائها شأنَ التزام الربّ ممارسةً وفكرًا ورؤية ومعرفة. ومن هذا الالتزام، وما يُنكِّههم به من فرادة، ترجو ان ينطلق أعضاؤها شاهدين في الحياة الرعائية وفي ما يراه كلٌّ منهم مناسبًا من مؤسسات وجمعيات وأطر اجتماعية وثقافية .

وإن ارتأت الحركة أن تطلق يومًا الخدمة الاجتماعية مع ما أتبعته بها، لظرفٍ او لآخر، من مبادرات كبعض مراكز اجتماعية ومشروع التبنّي المدرسي وهيئة الطوارئ الاجتماعية فلأنها شاءت أن تكون، هذه، لأعضائها نموذجًا، ساحةَ، للتربِي على الروح الشركوية ولفعل المحبّة تجاه المحتاجين اعلاءً لشان هذا الفعل في ضمائرهم. القصد أنها لم تنشد من هذا التوجّه الامتداد المؤسساتيّ المجتمعي المختص. هذا مع تأكيد ان الحركة تشدّد على أنَّ تمايز علاقتها بالمحتاجين وتكاملها بمتابعةٍ رعائية مرجوّة تقودهم الى الحياة في المسيح وتحضر بالمسيح ، في آن، بينهم تعزيةً لقلوبهم هو الغاية الأهمّ التي تبتغيها لتعاطيها بهذا البُعد. كما أن هذا التكامل بالاحتضان الرعائي الهادف هو مُبتغى الحركة المرجوّ من أيّ نشاطٍ تقدم عليه.

فالحركة لا يُغريها أن تـنشغل، كهيئة وحالة كنسية، بورشٍ وأدوارٍ وامتدادات مجتمعيةً ثقافيةً رغم تقديرها الكبير لهذا الأمر. فلكلّ دوره. تكليفها هو أن تبني الاشخاص في المسيح وأن تغرس فيهم من حيوية الايمان وضياء الانجيل ما يدفع كلّ إبن فيها لأن يعيَ دوره ويحضر بنور الربّ وسطَ كلّ ورشة يراها تهدف لخدمة المجتمعات ونموّها الثقافيّ وبنائها في العدل.

 

 

المشاركات الشائعة