مواقع التواصل والاختلافات

 رينيه أنطون - ١٦ نيسان ٢٠١٣


إلى أعضاء مجموعة Mjo Group

منذ مدة وكثيرًا من المداخلات في هذا الموقع، ومواقع حركيّة أخرى، تعتريها لغة التهكّم والشتائم والتكفير والايحاءات التنافرية حتّى لا أقل العدائية. ومن وحي هذا الواقع أخطّ هذه الكلمات لا لأعظ أحداً بل لأذكّر نفسي، وجميعكم، بما أرى ضرورةً للتذكير به.

أولاً، إن كلّ كلمة ننطق بها أو نكتبها، في ساحة الربّ، إنّما غايتها أن تساهم، ببعدها البشاريّ والشهادي، في خلاصنا وخلاص الآخر.  نحن إن نكتب فإنّما بهدف أن نحفّز بعضنا بعضاً على مزيد من التزام المسيح ونتشارك المزيد من تعليمنا وأبعاد إيماننا وما يُكشف لنا من الربّ الحقّ. فتساهم كتابتنا بترسيخ ذواتنا في الكلمة وكشف ما نراه سبيل خلاص لنا وللأخوة والآخرين. ونحن إن نكتب فإنّما ليُكتبَ لنا، أيضاً، ونتعلّم أكثر  ممّا يُكتب ونختبر أكثر من التفاعل بيننا حول ما يُكتب.

إن الأساليب المذكورة أعلاه تسخّف أبعاد الكلمة، لا بلّ تجرّد الكلمة من كلّ بُعد نافع وبان، وتقيم الحواجز الفاصلة المانعة لأيّ تفاعل مع الطرح والوجه، وخصوصاً أن الأسلوب الهجومي التهكّمي الشتائميّ التكفيري لن يقود الى تغيير في قناعة أحد، بل سيثّبت الآخر في قناعته المختلفة، إن وجدت، ويجعله  في حال انفعال تمنع عنه التمعّن بمضمون الكلمة والفكر. وهذا يقود إلى أن لا يعود صاحب هذا الأسلوب مبشّراً  بالكلمة الالهي وفكر االانجيل بل يمسي، ودون أن يدري، مبشّراً بأناه، بذاته وقدراته، أينما صنّف نفسه وفي أيّ خانة كان.

ثانياً، صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي الحركية ليست رسميّة بمعنى أنّها ليست ناطقة، بالضرورة، بفكر الجماعة الحركية وقيادتها. إلا أن أحداً لا ينكر أن الهويّة الحركيّة تطبعها وتطبع المنتمين اليها. هذا الأمر يجعل من كلّ  منّا مسؤولاً، بكلمته وأسلوبه، عن ان لا يكون سبباً لتشويه حقيقة الجماعة الحركية وصورتها ومكانتها في أذهان الآخرين، ومسؤولاً، بالمضمون والأسلوب، عن أن تعكس هذه المواقع ما أمكن من سحر الحركة وسمات الأخوّة والمحبّة التي جمعتنا فيها طيلة عقود.

ثالثاً، إن آيات الكتاب المقدّس وأقوال القديسيّن والآباء وكلّ ما احتواه تراث كنيستنا لم يوجد، أصلاً، ليكون متراساً لاختلافنا وخلافنا، ولا لكيّ يُقتطع من إطاره وسياقه لاستعماله وسيلةً إيحائية في خدمة انفعالاتنا. هو وُجد ليُهدي حياتنا ويُنيرها بضياء الكلمة وسبل القداسة. وُجد فعل محبّة بنا وبخلاصنا وثمر فداء وشهادة، وبالتالي كمّ  وكمّ وجب علينا الانتباه من تسخيره ليكون تعبيراً من تعابير تحزّبنا وغضبنا وادانتنا وتكفيرنا لمن نتنافر معه ونختلف.

رابعاً، إن لايماننا وانجيلنا أبعاداً انسانية واجتماعية لا يستقيم التزامنا فكر الربّ دون اقتنائها والسعي الى تجسيدها في حياتنا. إن مسيحنا لم يكتف بتعليم الناس وحسب، بل عاشر البسطاء، شفى المرضى، أقام الموتى، لبّى الحاجات. إن من الطبيعي أن يجتهد كلّ منّا في وجوه هذه الأبعاد واستكشاف المقاربات الايمانية لها وسبل تجسيدها في ضوء ما يطرحه علينا يومنا من قضايا وصعوبات أياً كانت عناوينها. ليس من أمر يمنع أياً منّا أن يتحدثّ ويكتب ويبدي الرأي بكلّ ما يعترض حياتنا ويواجهها لأن واجبنا، وما تقتضيه شهادتنا كمؤمنين، هو أن نبتدع الرؤى الايمانيـة للقضايا الشائكة التي تواجهنا لنطلّ بها على عالمنا حاملين خصوصية كوننا أبناء المصلوب فادي الكون بكلّ ما فيه.

خامساً، إن أيّ اختلاف بيينا أو خلاف أكان ناشئاً اليوم أو قد ينشأ، هو اختلاف بين هذا الحركيّ وذاك، وليس خلافاً بين هذا الحركيّ والحركة. الحركة لا يُعبر عنها أيّ شخص، بمفرده، مهما علا شأنه فيها أو اتضّع ومهما كبرت خبرته أو صغرت باستثناء الأمين العام ورؤساء المراكز المنتخبين، ولا تختصرها أيّ مجموعة كان. إن فكر الحركة  تنقله وتُعبّر عنه وتعكسه رؤى المؤسّسين المسطّرة ومقررات المؤتمرات الحركية والأوراق الصادرة عنها، ورأي الحركة وتوجّهها يحدّده الأمين العام والأمانة العامة، وكلّ ما عدا ذلك هو اجتهاد شخصيّ، قد يكون مباركاً في ضوء فكر الحركة، إنّما لا يُبنى عليه لتحديد الموقف من الحركة. فالحركة هي الرحم الذي يحملّ كلاً منّا بتألّقه وضعفاته على الرجاء، هي فوق كلّ اختلاف فيها وأسمى. 

فدعونا ننطلق في جدّة ثقة ومصارحة وحوار وارتقاء يعلّم الناس كيف يكون اختلاف التلاميذ سبيلاً للغنى "والتنوّع في الوحدة" ويؤشّر إلى أننا، بحقّ، "تلاميذه". 


 

المشاركات الشائعة