كتاب "من يدحرج الحجر" - ردّ حول الحركة

رينيه أنطون 2019


أُتيحَت لي المشارَكة، الجمعة ٢٦ تموز ، في ندوة حولَ كتاب يُلفِت عنوانُه النظر: "مَن يُدَحرج الحجر- مصير مسيحيّي الشرقللأستاذ وائل خير، والصادر عن منشورات الشرق.

فوجئت وأنا أتصفَّح المنشورَ بشكل أوَّلي في مكان الندوة أنَّه يولي حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة مساحة واسِعَة من صفحاتِه المتعلّقة بالحركات الاصلاحيّة في الكنيسة. وهو الأمر الذي كانَ مناسَبة لأحد المتحدّثين مِن "أهل البيتلتكرار انتقاده الثابت وغير المتحرّك للحركة والحال الكنسيّة.

——

عُدت، تحديدًا، إلى ما وردَ في الكتاب حول الحركة، دون أن أستكملَ قراءة الكتاب بكامله بعد. ولكونِ المغالَطات والتحليلات والتَجنّيات، التي لربَّما تستند الى خلفياتٍ سياسيّة للكاتب، أصابَت الحركة بما ليست عليه وجدت، أقلَّه، أنَّ من الضرورة إبداء ما يلي وإنْ بعجالة واختصار قدرَ الامكان :

——

أولًا: إنَّ التمثيل السياسيّ الوازن لمتحدّثَين في الندوة (دولة الرئيس غسان حاصباني والدكتور فادي كرم) إضافةً الى منحى تقديم الاستاذ بشير خوري للمنتَدين، لربّما يُضيئان على الموقِع السياسيّ، اليوم، للكاتب ما يفسّر بعض خلاصاته. 

—-

ثانيًا: يُسجَّل للكاتبِ أنَّه دوَّن فعاليةَ الحركة وتمايز دورها وتأثيره عن سائر الهيئات.

—-

ثالثًا: في السياقِ هذا يذكر الكاتب أن "الفتحَ الأعظم" للحركة هو في كمّ ما قدمته مِن رجال إكليروس ومناصب تبؤّوها.

توضيحًا، أنَّ أهمّ ما قدَّمته وتقدّمه الحركة هو التحوّل بشرائح شبابيّة مِن حال اللامبالاة الى حال التزام الايمان والكنيسة، أاكليروسًا كانوا أم علمانيّين. والأهمّ الأهمّ هو مواكبتِها حياة الشباب، بوجوهها المختلفة، لتعميدها بقِيَم الايمان والنهوض بها على مختلف الصُعد. هذا ما ساهَم وأثَّر بانهاضِ أحوالِ عائلات ومجتَمعات وليس الحياة الكنسيّة وحسب.

——

رابعًا: في السياق، يغمُز الكاتب مِن أنَّ تولّي حركيّين رئاسَة بعضِ أبرشيّات وأديار ومؤسّسات لم تتمايز الممارسة فيه ونتائجه عن غيرها التي تعود لغير حركيّين، وكأنّي به يشاءُ إفراغِ الحركة مِن أثرها التغييري.

توضيحًا، ولئن كان هذا التمايز مرجوًّا، إلا أنَّ الممارسَة "الوظائفية"، هذه، هي ذات بُعدٍ  شخصيّ، وبأيّ حال لا يصحّ فيها التعميم والاطلاق. فلكلّ ادارة بعض ومضات وسِمات تختصّ بها وبعض تعثّرات، وكلّ شخص، أيًّا كان، فيهِ مِن الحنطة والزؤان معًا. ولم يدّعِ أحد يومًا أنَّ الحركيّين منزَّهون عن الضعفات. أمّا عن الأثر الحركيّ التغييري فلَطالما قلنا أنَّ معالِمه، بحقّ، تُنظَر في القراءة الموضوعية للمشهد الكنسيّ والشبابيّ  الأنطاكيّ بشكل عام وليسَ عبرَ هذا التفصيل وذاك الشخص.

——

خامسًا: يتّهم الكاتبُ الحركة بنزع سلطة "الاشراف على ممارسة المطارنة الادارية والماليةمِن العلمانيين حين اقتضَت مصلحتُها ذلك، وكانَ هذا عبر قانون مجالس الرعايا الذي خلفَ قانون ١٩٥٥.

توضيحًا، قالَت الحركة في عشرات الاوراق الحركيّة وخطابات مسؤوليها أنّها ترنو الى القوانين المجسِّدة لطبيعة الكنيسة الشركوية وتكامل الأعضاء والمواهِب وتفاعلها في خدمة الجسد.

القانون السابق جانح على هذا الصعيد، والاكليروس ليسوا أجراء لدى العلمانيين، والمطران هو المُشرِف والمراقِب وليسَ العكس. والواقع الحالي جانح، أيضًا، على هذا الصعيد. فالعلمانيّون ليسوا أجراء لدى الإكليروس. أمّا تاريخًا، فقانون مجالس الرعايا، الغير مُنَفَّذ، حمَل في نسخَتِه الأولى ما يعكس هذا التكامل، وهو ما برهنته بوضوح قراءة كوستي بندلي له في كُتيّبِه "مجالس الرعايا ومتطلّبات النهضة الانطاكيّة". غير أن تعديلًا  جَنَح به، غفلَةً، في التسعينيّات نحوَ التفرّد الاكليريكيّ. وأيًّا كانت أسبابُ التعديل، فمَرفوضةٌ هي نتائجه. وقد قلنا بهذا الرفض، ونقوله اليوم، في أكثر من مناسبة وخطوة، وبشكلٍ موثَّق.

——

سادسًا: ينحو الكاتِب إلى أن يُعيب على الحركة  هواها المَشرقيّ وبُعدِها الأنطاكيّ مُشيرًا لخروجِها عن "الحالة المسيحيّة اللبنانيّة" (وهو تعبير أستَعمِلُه مجازًا) وتنكّرها لما قدَّمَت لها هذه الحالة، ولبنان، مِن حريّة سمحَت لها بالتأثير، وهو الأمر الغير متاح لها في أمكنة وجودها الأخرى.

في سياق العنوان العريض هذا وردَت مغالطاتٍ كُبرى وخَطرة.

فتوضيحًا وباختصار:

أ-حريّة القول والفكر والممارَسة، وما يتعلّق بأبسط قواعد ومبادئ حقوق الانسان، ليسا هبَةً مِن أحد لأحد، ولا من جماعة لأخرى، وليستَا منّة من بشر على بشر تستلزم بينَهم الوفاء. كما ليسَ صحيحًا البتّة أنَّ الحريّة في لبنان، على تفاهَتها، هي مِن نتاج هذه الطائفة أو الجماعة دونَ تلك.

*****

ب-إن استلزمت الحريّة الوفاء لأحد، فاقتضى أن يكون للربّ، على الصليب، وشُرعَة انجيلِه. أمّا الهوى الطائفيّ والانحياز لـ"تجلّياتِه"، فكرًا وممارَسةً، هو طعنٌ لهذا المشهَد وليسَ وفاءً لأحد. طعنٌ لفدائه الكلّ.

*****

ج-إبانَ الحرب اللبنانيّة تنوَّع التعاطف السياسيّ للحركيين ولم يُحصَر بواحِد، هذا حيثما وُجد، ولم تتبنَّ الحركة موقفَ وممارسةَ أيّ من أعضائها. أمّا توجّه الحركة المسطَّر، عامّةً، في وثيقة التزام شؤون الأرض (رفض الطائفية، العدالة الاجتماعية، أحقّية قضيّة فلسطين) والخطاب الرافض في الحرب للعنف و "الغيتواتالطائفيّة لأعلام الحركة ومسؤوليها فَهما وليدا قراءةٍ إنجيلية لم، ولا، تُحصَر بِالحركة إذ شاركَها بها، وشارَكت بها، العديد وأهمّهم المجمَع الانطاكي المقدّس في بيانه الشهير العام ١٩٧٥

*****

د-كما أنَّ التشبُث بالبُعد الأنطاكيّ والهوى المَشرقي والانفتاح على الآخر والحوار مع المُسلِمين فإنَّما ليسَ بطارئٍ وغريب عن هذه القراءة، وليس انحيازًا إلى أحد وإلى أعداءِ  أحد، بل هو امتداد طبيعيّ لها وتوجّه ثابت تتجذّر مُنطلقاته إنجيليًا، وهو الشأن الأهمّ من التأثّر  بمجمع فاتيكانيّ ثانٍ أو ببيئةٍ "ساحليةٍ  وأخرى جبليةٍوما الى ذلك!

*****

ه-إنَّ هذا التشبّث المَشرقي لم يكن يومًا انحيازًا الى أمراضِ الشرق وارتياحًا اليها- ولا تُستثنى منها  أمراض لبنان الكُبرى- بل توثّبًا لترجمة المسؤولية الايمانية، في الشرق وعنه، بالمساهَمة بانهاضِه منها والارتقاء به الى ما يليق بغنى إرثه الايمانيّ ودورٍ شهاديّ مرجوّ له في مدى العالم

****

و-إضافَةً الى ورود بعض تفاصيل لا تُعقَل حقيقتُها، يبقى أن تولّي هذا أو ذاك من الحركيين لمسؤوليات في مجلس الكنائس العالميّ ومجلس كنائس الشرق الأوسط إنّما يأتي نتيجةَ قرار وخيارٍ وتوجّه كنسيّ وليسَ حركيّ، إذ عدا عضويتها في رابطة حركات الشباب الارثوذكسية في العالم، والحلف العالمي للطلبة المسيحيّين، لا شأن للحركة بالأطر المسكونيّة الأخرى إذ هي شأن كنيستنا الأنطاكيّة حصرًا. 

 

 


المشاركات الشائعة