طرابلس!

 رينيه أنطون – 26 حزيران 2019


مساء الأوّل من أمس، سمعت ضيفًا في أحد البرامج الاعلامية يدّعي، تبريرًا لقرارات تتعلّق ببلدته، أنّه لم يعد مِن وجودٍ لمسيحيٍّ في طرابلس.

أعطف هذا، كذلك، على مسارعة بعض وسائل الأعلام، غداة كلّ حدث أمنيّ، إلى استصراحِ أهل المدينة موقفهم مِن التعصّب التكفيريّ والآخر.

هذا أمرٌ يعكس، برأيي، جَهل الضَيف، وكذلك بعض الوسائل الاعلامية، بطرابلس، حاضرًا وتاريخًا.

ولعلَّ بعض هذه المحطّات، التي أعرفها وعايشتها ولا تزال حاضرة في ذاكرتي، تُضيء على حقيقة الأمور:

——

١بدايةً وللعلم، شهدت طرابلس، خلال فترة الحرب اللبنانية، وبمبادرة أهلية فريدة، تأسيس التجمّع الوطني للعمل الاجتماعي الذي عمل على تلبية حاجاتها الغذائية والتنموية وأشرفَ على سلمِها ومسارها الاجتماعيّ والثقافيّ.

هذا التجمّع، الذي استمرّ لسنوات، أسَّسته وقادَته وفعَّلَته نُخبٌ اسلامية ومسيحيّة معًا.

——

٢أيضًا، شهدَت الميناء، إبان تلك المرحلة، تأسيس تجمّع الأندية والجمعيات الذيّ ضمَّ، ممّا ضمّ، حركة الشبيية الارثوذكسية (بدورٍ رئيسيّ فاعل جدًا) والكشّاف المسلم وكشّافة الجرّاح وسائر الهيئات والأندية.

شغلَ هذا التجمّع شبابَ المدينة وشاباتها بأنشطة اجتماعية وثقافيّة وندوات فكريّة وأدبيّة مشتَركة لا تُحصى

———

٣كذلك شهدت الميناء تأسيس المجلس الثقافي البلديّ بمبادرة مشتركة من بلديتها وشبابٍ تتعدّد انتماءاتُه الدينية. المجلس الثقافيّ هذا تقدّم، حينها، بطلبٍ رسميّ الى رئيس الحكومة اللبنانية لمنح الدكتور كوستي بندلي وسامًا من الدولة اللبنانية تقديرًا لجهده التربوّي وتثمينًا لفكرِه، وهذا ما تمّ.

——-

٤كما حضنَت الميناء منتديات ولقاءات حوارية دوريّة عديدة، دينية واجتماعية وثقافيّة وسياسيّة، جمعَت شباب وشابات مِن مختلف الأطياف ساروا معًا في تحرّكات ومبادرات تضامنية مع قضية فلسطين وبعض قضايا العدالة في العالم.

——-

٥وتصدَّرت قامات مسيحيّة واسلاميّة ضمائرَ الكثيرين مِن أبناء المدينة. وبادرت البلديّات فيها، وفي فترات مختلفة، إلى طلبِ تسمية شوارع باسم المطران الياس قربان والمطران جورج خضر والاستاذ جورج دوماني والدكتور كوستي بندليّ (افتتاحه يوم ١٢ تموز المقبل)، وغيرهم مِن أعلامٍ إسلامية ومسيحية. كما كُرِّم في المدينة المطران جورج خضر (أكثر مِن مرّة) والدكتور كوستي بندلي بأرقى الفكرِ وأبلغ الكلمات، وبلسانِ أصدقائهما المسلمين.

———

٦وفي المدينة، اعتادت محلات الحلويات، حتى اليوم، إعداد حلوى خاصّة بصومِ المسيحيّين طيلة فترة صيامِهم مثلَ ما اعتادت إعداد الحلوى الخاصّة بصومِ المُسلمين طيلة فترة صيامهم.

———

٧وفي المدينة، اعتادَت المرحومة والدتي، وسائر نسوة الحيّ، خبزَ حلوياتهنّ الفصحيَة في فرن "أحمد" دونَ غيره مِن الأفران، ومشاركته كميّة من هذه الحلوى (عدا عن أتعابه) محبّةً وتقديرًا لتعبه وإشراكًا له ولعائلته بفرحِ العيد وأطايبه. وفيها أيضًا باتَ "أحمد" خبيرًا في عادات الفصح وتقاليده الشعبية وسبّاقًا في معرفة تاريخه كلّ عام.

———-

٨ففي المدينة يمارس المسيحيّون ايمانهم وكافة وجوه شهادتهم كيفما شاؤوا ومتى شاؤوا ويتشاركون الأفراح والأتراح مع سائر أهلها.

 

فهل يصحّ الادّعاء والسؤال بعد ؟؟

 


المشاركات الشائعة