في كتاب "صلّوا هذه الصلاة"

رينيه أنطون – 2004


* تقديم ندوة في رعيّة الحازمية 

أروع ما يقودك إليه هذا الكتاب هو أن تصير شغوفا بحلّ التصاقك بلحميتك وبتقليص غربتك عن قلبك. فالقلب هو حجرة صلاتك، والآخر أمامك هو مرآة كشف الزؤان الذي فيه. فإن أحرقت محبتك  اليباس الذي يعتريك كُشف لك الاله  الذي فيك، ونبتت حنطة القداسة لديك، وأمسيت بوصال  مع ربكّ  يجعلك خمير ألوهة يعجـن بها العالم فيخلص هو وتخلص أنت ويفرح الله.

لن يصير إليك هذا الكشف بكلمة تقرأها في سطور كتاب وحسب لأن سبيله أن تعاين الحقيقة غاية للكلمة. فإن أتتك هذه الأخيرة من أحشاء ناطقها لا من فمه ولدت الحقيقة من رحمها. ذلك ان كلمة الفم هي لغة العقل، وكلمة الأحشاء هي لغة المصالحة بين العقل والقلب. أي هي اللغة الشافية المعمّدة بالمحبة لأنها مطعّمـة بحضور الله في كيانك.  

إن عرفت كاتب الكتاب الأب الصديق ايليا متري شهدت، حتما، لنمو هذه المصالحة لديه. ولعلّه قد  تذوّق جرعتها الأولى منذ انصياعه لرغبة رفاق رموا به، كمعلّمه، على خشبة الكهنوت. وهذا ما استحال به كاهنا راعيا لا يكتفي بأن يحمل أثقال الناس وهواجسهم مقرّبا إياها على مذبح الرب وحسب، بل يستكمل الذبيحة بإضاءة نور الله، من خلال الكلمة، عليهم ليتحصنّوا بها فيستطيبوا جسد الرب. من هنا عنت له الكلمة الشيء الكثير ولجأ اليها، ناطقا بها ببلاغة وساطرا إياها في مقال، كلّما أقلقته أخطاء أو انحرافات أو بدع أو مظاهر تسهم في تغريب الناس عن الخلاص.

وربما لم ير الأب ايليا من تلك المظاهر ما هو أخطر من أن تمسي الصلاة لديك لغوًا. أي تمتمة شفاه اعتدت على ترديدها، واجبا،  بحكم عادة  أو تربية مغلوطة. فيتقزّم تخاطبك والله  الى كلمات تنوء بها لتلفظها من فمك دون أن تدرك لها قيمة وامتدادا فتخسر، في صلاتك، مناجاة ترتقي بك فوق قيود الخطيئة. وكم تقسو الغربة حين تزّج  بصلاتك الربّية في عالم التمتمة هذا. فهي أول ما نطقت به من صلاة وعلّ الله يعطيك أن تكون هي الأخيرة.

"صلّوا هذه الصلاة" هو، باختصار، مساهمة هذا الراعي من اجل تحييدك عن هذا الزج. مساهمة تطلق لديك الايمان، إن شئت أن تكون عشير الله بالصلاة، بأن لا صلاة تستقيم دون أن تفتح قلبك على الناس، وبأن طريقك الى الله الاب هو يسوع المسيح الذي يعرف ما يرضي الاب، كما تطلق لديك الثقة بأن لا مسافة تُبعد السماء عن الأرض لأن المسيح حقق بشخصه الملكوت وقد صرت فيه إبنا. مساهمة تسألك أن تنشد مشيئة الله مشيئة لك في العالم مستسلما لربّك كالطفل لأنه أب لا قوّة تقسو. مساهمة ترتجي أن لا تطلب خبزا لك بل خبزا للجميع  كي لا يلهو أحد عن الله بالخبز.

_________
* المؤلّف: الأب إيليّا متري
      
                                                      

        

        

 

المشاركات الشائعة