الضجيج المسكونيّ


رينيه أنطون - 31 آذار 2019


دونَ إيلاء أهميّة للتفاصيل، لا بدّ من قراءة موجَزَة للأهمّ الذي كشفه، بوضوح، وبغضّ النظر عن حَجمه، الضجيجُ الذي رافقَ انعقاد لقاء الشبيبة المسكونيّ:

أولاً: أنَّ في وسَط بعض الأرثوذكس انفعالات و"قلوب مليانة"، لأسبابٍ وأخرى، تنتظر كلّ حدث كنسيّ لتحفَر فيه الفجَوات وتُفرغ فيها ما حمَلَت به.

ثانيًا: أنَّ جهلاً، لدى هذا الوسط، ما زال سائدًا بكونِ التهجّم في وسائل التواصل الاجتماعي ليس الوسيلة المناسبة والفاعلة لتغيير  مواقف وسلوكِ ومسارِ أحدٍ وما رسَخَ لديه من قناعات. هذا ما لم تكن الغاية هي التهجّم وحسب.

ثالثًا: أنَّ اعتماد وسائل التواصل الاجتماعيّ، أكانَ لتفريغ هذه الانفعالات، أم للردّ عليها، أم لاعلان المواقف وسرد المطالَبات، ومَعه ما آلت إليه حياة كنيستنا، يبيّن الحاجة المتفاقمة الى أطرِ تعبير وحوار وشورى ومشاركة كنسيّة تجمَع المؤمنين بعضهم الى بعض، وإلى رعاتهم، في ورشةِ رصفِ كلّ حيويّة إيمانية في القناة السليمة المُثمِرة.

رابعًا: أنَّ توجّهًا تشويهيًّا هدفَ إلى تصوير المسكونيّة "دينًا جامعًا" بعكس الأسس التي حدّدتها كنيستنا لهذا العنوان، وكذلك الى الخَلط بينَ الحوار المسكونيّ الساعي إلى حلّ الخلاف العقائديّ وبينَ اللقاءات المسكونيّة الهادفة الى استبيان سبُل الشهادة المُشتركة للايمان بيسوع المسيح والمساحة المشتركة الممكنة لهذه الشهادة والحدّ من الاحتقانات الجارحة للربّ ومِن جَهل كلّ بالآخر وخبراته، والاستفادة المشتركة من هذه الخبرات.

خامسًا: أنَّ تضليلاً هدَف الى تغييب أنّ المشارَكة في لقاءات مسكونيّة، بعامّة، إنّما تأتي انسجامًا مع التوجّه المجمَعيّ المُعتَمَد في كنيستنا منذ عقودٍ كثيرة، والذي من دلائله، مثالاً وليسّ حصرًا، الحضور  الأرثوذكسيّ في مجلس الكنائس ودوره في تأسيسه ومبادرة كبار مؤسسيّ حركة الشبيبة الأرثوذكسية، حينها، إلى المساهمة في تأسيس أطرٍ مسكونيّة، ببركة الكنيسة، والتي منها "الاتحاد العالمي للطلبة المسيحيّين"، مع تأكيد الدور الهامّ للبطريرك أغناطيوس الرابع والأخ البير لحام على هذا الصعيد، وهو الشأن الذي يُبطِل ما حاولَه البعض مِن استحضارٍ سطحيّ للراقدين مِن هؤلاء الكبار وإلصاقِ ما سبقَ وخلَعوه عنهم بهم.

سادسًا: أن تضليلاً آخر سعى، وإن غير مباشرة، للخلط بين الصلوات المُشتركة وسرّ الشكر. هذا التضليل تجاهَل أنّ الصلوات المُشتركة ليست شأنًا طارئًا اليوم، وأنَّ الصلوات في هذا اللقاء، وحسبما بلغني، حوَت ممّا تحتويه الطقوس الصلاتية للطوائف المشاركة. ولمزيد من التوضيح فإن المشاركة في الذبيحة الالهية تمّت كلّ في كنيسته.

سابعًا: أنَّ تجاهلاً سادَ لضرورة التمييز بين بركة غبطة البطريرك لهذا اللقاء، المُسطَّرة في رسالته التوجيهيّة القيّمة، والتي أتت انسجامًا مع التوجّه المَجمعيّ وتكاملاً مع بركة سائر رؤساء الكنائس في إطار مجلس الكنائس، وبينَ تفصيلٍ برامجيّ مُدرَج في سياقِه وتصرّف أفرَح هذا وأزعَج أو أمقتَ ذاك.

ثامنًا: أنَّ جنوحًا، خطرًا، نحوَ "فرّيسيّةٍ" ينمو  وينمو في بعض الوسط الأرثوذكسي. هذا ليسَ مِن دلائله فقط التكفير والتخوين لأبسط الأسباب، وتوهّم البعض أنَّ التشبّث بالأرثوذكسية والاخلاص لها يُحصَر به دونَ غيره، وأنَّ أمانَته لها تفوق أمانة كبار الرعاة القيّمين على الاستقامة، بل أيضًا ما هو أخطر، أيّ التشكيك بصُدقيّة إيمان الآخر واخلاصِه لربّه وفعالية صلاته في حياته اليومية.

تاسعًا: أنّنا نعيش تداعيات استقالة بعض السادة الرعاة من الحُكمِ باستقامة الأمور ، أينما ومتى يجب، وازدواجية الموقف والسلوك لدى البعض منهم. فخِدَم صلاتية مشتركة ومكرَّرة مع سائر الطوائف من جهة، ومنابر كتابية تعليميّه رسميّة  يُدرَج فيها من الآراء والمواقف ما لا يوافق هذه الممارسة ولا يتبنّاه الموقف الكنسيّ ويكفّر صلوات الآخرين من جهة أخرى. وأيضًا تعليقات وآراء، في مواقع التواصل، لا تنسجم والتوجّه المجمعيّ والكنسيّ الرَسميّ.

عاشرًا: أنّنا نواجه جَهلاً، ما لم يكن مقصودًا، بحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة وشبابها وقادتها. وليُدرك الجميع، هذه الحركة لا يُرهبها غير الحزن في وجه الربّ. هي تُصيب وتُخطئ. فإن أصابت أو أخطأت، فهي، وببركة الكنيسة، لا تتحرّك، ولن تتحرّك بغير الأرثوذكسيّة همًّا وحرصًا وغايةً وسلاحًا للشهادة والخلاص.

حادي عشر: يبقى لفت الاخوة المُنفَعلين، "وفي الكنيسة ليسَ من أنا وأنت، بل نحن"، للانتباه الى أنَّ ما يُفسِح المجال لهذا من الذين لفظتهم كنيستهم لشتم كنيستنا ورعاتنا وبطريركنا، رمز وحدة كنيستنا، لهو أبشعُ  بكثير ممّا ظنًوه  "بشاعة" في لقاءٍ ما سعى لغير البحث عن جمالٍ في شبابٍ آخَر مؤمنٍ بالمسيح.


المشاركات الشائعة