تأمّل في استشهاد الأب فادي حداد

 رينيه أنطون - في 27 تشرين الاول 2012


"إلى إخوتي في الايمان

سلام الربّ معكم، وأنا آتيكم بهذه الكلمات باسم كلّ الأبرار وشهداء كنيستنا القدّيسين.

أطلّ عليكم، يا أحبائي، وروحي ترتكض فرحًا بوجه مسيحنا مذهولةً بقدر محبّـته وغفرانه. 

أطلّ عليكم ووجوه كلّ الرسل والقديسين والشهداء المظلومين والفقراء وأحبّة المصلوب تجاورني حيث نعوم سويّة في كلّ الجمال والحنان، في عينيّ إلهنا. 

أطلّ عليكم، وحنانه أبى إلا أن أبلسم، أولًا، جراح نفوسكم النازفة ألمًا على ما سال أمامكم من دماء تخصّني وكلّ شهيد مظلوم. 

فها أنا أفيدكم أنني، تلك الساعة، لم أعرف خوفًا ولا ألمًا. 

كنت، تلك الهنيهة، قائمًا في الحبّ، حالمًا أن أكون على ذرّة من ذلك العظيم الذي رعانا بالفداء. كنت مأخوذًا به حتّى عمق العَظم، مسحورًا، مرفوعًا إلى الصليب، إلى التمسّك به، وبه وحده، غايةً وسبيلًا للحياة الحقيقية، سبيلًا للحياة التي لا تأفل. 

لحظتها كنت، يا أحبائي، أعاين ومضةً ملكوتيةً أحرقت، دون نار، جلدتي ولحميّتي وكلّ مصدرألم فيّ، وغطّتني بمَحيا ولباس يوم القيامة العظيم. لحظتها، صدّقوا أنني عشت حبورًا لا موتًا ولا ألمًا!

أطلّ عليكم، أيضًا، وإرادة ربّنا أبَت إلا أن أنقل لكم رسالة علّها تُغيّر ما ينبغي أن يتغيّر وتفعل:

فكلّ ما يحوط  بكم اليوم في بلادنا من قتلٍ وتشريد وظلم وخطف ودمار هو مدعاة دينونة كُبرى ما لم تجعلوه منبر شهادةٍ وخدمة وتبشيرٍ بالعدل والكلمة الحقّ،  وسبيلَ خلاص.

أثبتوا في الأرض التي تنكّهت بأقدام القدّيسين ليبقى عطر الربّ فائحًا فيكم أبدًا.

كونوا، دون خوف، عمالقة حقّ وسلام، على قامة كونكم أبناء "الذي معكم كلّ الأيام".

لا تتآلفوا مع العنف والموت والدم المُحيط بكم، ولا تتجاهلوا أن في كلّ دم إنسانيّ يسيل ذرّاتٌ من دم إلهنا تُستباح.

انطقوا بالحقّ في وجه كلّ ظالم مُحرَّرين من الحقد وساكبين نطقكم في لطف الله، ولطفه فقط.

ارخوا برعاية ربّكم وحبّه وألمه على الظالم والمظلوم، في آن، ليلتقوا معًا في راحة الغفران والعدل.

كونوا جسرًا يصل أبناء الوطن بعضهم ببعض ويلحم أشلاءَه بعضها إلى بعض.

كونوا، باسم مسيحكم، حضنًا حاضنًا لكلّ من يحتاج إلى حضن إنسانيّ.

أفرغوا بيوتكم وقلوبكم ممّا يمنعها أن تكون واحة خدمة للكلّ.

حرّكوا رؤساء كنيستكم...حرّكوهم لينفضوا عنها، معكم، في زمن الشدائد ما يحجب كونها علامةً من علامات حضور سيّدها في الزمان.

كونوا على هذا، يا أحبّائي، ولا تخافوا، بل ثقوا... ثقوا أن عينيّ المسيح تواكبكم وحنانه يرافقكم وقوّته تحفظكم. فما من سقوط معه إلى الموت، بل كلّ شهادة له وباسمه هي رفعٌ، رفعٌ إلى المُبتغى أبدًا، إلى مجاورة حلاوة وجهه ووهج نوره بالقيامة معه وفيه.

وصلاتي، أنا الشاهد على ذلك، ترافقكم أبدًا".

__________
استشهد في الحرب في سوريا


 

المشاركات الشائعة