العمل الاجتماعي

رينيه أنطون

نشرة الكرمة - مقالة سابقة


يتكثّف اهتمامنا بهذا العمل في كلّ فترة صوم تدعونا اليها الكنيسة حيث تلفتنا، خلالها، الى أهمّ أبعاد الصوم وهو الالتفات الى الأخوة الفقراء ووضع ما توفّر لدينا في خدمتهم. والكنيسة، إذ تذكّرنا بالفقراء في هذه الفترة، فانهالم تقصد، البتّة، حصرَ الاهتمام بهم فيها بل شاءت التشديد، في سياق ما يقتضيه الصوم من تخلٍّ عن التمتّع بعطايا الخالق للتنعم بوجهه وحده، وإعراضٍ عن تلبية شهوات الأجساد والنفوس، على أننا مدعوّون الى تكثيف فعل المحبّة عبر وضع كلّ ما توفّر لنا، نتيجة هذا التخلّي، تحت أقدام المحتاجين.

فعلُ المحبّة هذا، الذي اعتدنا تسميته بالعمل الاجتماعي، انما رافق حياة الكنيسة وتعليمها منذ نشوئها، وذلك ارتكازًا الى كون الربّ يسوع المسيح قد وحّد ذاته بالفقراء والمحتاجين. وإن استعَدنا بعضًا من حياة الكنيسة الأولى من خلال الاصحاح الثاني من سفر "أعمال الرسل" لرأينا أن فعل المحبّة فيها لم يقتصر على بعض العطاء وحسب بل اتخّذ بُعدًا جذريًا وهو المشاركة الكاملة بين أعضائها، "فجميع الذين آمنوا كانوا معا وكان عندهم كل شيء مشترَكًا..."والأملاك و المقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج".

لا شكّ أننا نفتقد اليوم هذا الوجه الشركوي للعمل الاجتماعي. ولئن كان لهذا الأمر أسباب كثيرة، منها الكثافة العددية للمؤمنين ووسع الانتشار الجغرافي للكنيسة، وكذلك غياب المبادرات الفاعلة التي تتوافق مع واقع الانتشار الكنسي اليوم وتسمح بمثل هذه المشاركة، إلا أن هذا لا يمنعنا من أن نسعى إلى جلاء الغبار عن رؤيتنا الايمانية لهذا العمل كي تبقى واضحة، لدينا، فنتلافى الجنوح الى ترجمتها بشكل خاطئ في ظلّ أيّ ظرف وواقع كان. وبانتظار أن ننجح، في الاطار الكنسي، بتأسيس ما يمكن أن يربّينا على روح الشركة بشكل أكثر فاعلية تبقى الحاجة دائمًا للتذكير بما يلي: 

أولًا، أن فعل المحبة تجاه المحتاجين إنما يُطلَب من كلّ منا، بشكل شخصيّ. تطلبه منّا الكنيسة لنتحرّر من قساوة القلوب، لنكون رحماء مساهمين في رفع الألم والجوع عن الفقراء، لنترجم محبة المسيح لهم ونساهم في خلاصهم به، لنتربّى على الشركة والتخلّي عن أنانياتنا فنكون أوفياءَ لفداء الربّ ونُفسح المجال لحضوره فينا. يومَ نهمل هذا الجانب الشخصي، هذه المسؤولية الشخصية عن فعل المحبة، ونكتفي بقوننته أو حصر الاهتمام به بلجانٍ وهيئات كما يُلحظ، اليوم، في معظم الأمكنة الكنسية، فانما بهذا نكون قد ابتعدنا به عن  أن يكون أُفُقًا شهاديًا شخصيًا لكلّ منا، يعكس هويته الانجيلية والتزامه الربّ، وجعلنا منه نشاطًا اجتماعيًا، كسائر الأنشطة، لا فرادة لنا به ولا خصوصية.

ثانيًا، أن عملنا الاجتماعي لا يكتسب ملء هويته الانجيلية بغير أن يترافق مع رعاية شخصية لحياة الفقير والمحتاج ومتابعة لها. إن الفقراء وجب أن يشعروا بأنّ عطاءنا لهم، ومساهمتنا في تلبية احتياجاتهم المعيشية والصحيّة إنّما هو جزء من اهتمامنا بكافة صعد حياتهم وبخلاصهم بيسوع. فنحضر، في حياتهم، حاملين لهم رعاية الربّ لهم، وألمه لألمهم، وحرصه على كرامتهم الانسانية ساعين، قدر ما أمكن، الى مساعدتهم في مداواة أسباب فقرهم وتداعياته على أفراد عائلاتهم وازالة غربتهم عن المسيح وحياة كنيسته، إن وجدت. 

قد يكون مباركًا ومشكورًا  كلّ سعي نبذله لتطوير عملنا الاجتماعي ورصد الامكانات له. ومبارك هو كلّ عطاء، دوريّ كان أو موسميّ، دعمًا لهذا العمل. إنمّا يبقى الأهمّ وهو أن يكون كلّ جهد لنا على هذا الصعيد سبيلًا الى مزيد من تنمية روح الشركة والاحتضان لدى كلّ منّا وصولًا الى أن نقف أمام وجه الربّ، في اليوم الأخير، فرحين بفرح الفقراء وبفرح الربّ بنا. 

 

 

 

 

 

 


المشاركات الشائعة