فيض النور

رينيه أنطون  2019


أطرح هذه الهواجس مِن مُنطَلق واحد، وبعد أن طال الصمت، هوَ القلَق مِن تفاقم ممارسات قد تستبيح استقامة الممارسة الايمانية في حياة الكنيسة وضمائر أبنائها.

هنا، لا أناقش صحّة حدث فيض النور في كنيسة القيامة أو  عدم صحّته. فالأمر لا يزيد الحدثَ الأعظمَ مِن أي حدث آخر، أيّ قيامة الربّ، ولا يُنقِصه بشيء.

فقط، أتأمّل في كيفية تعاطينا، رعاةً ومؤمنين، مع موضوع "الشعلة المقدّسة" المتفرّع منه بغضّ النظر عن رؤية كلّ منّا اليها ومكانتها في ضميره. وأتساءل، في السياق، عن متى يتجلّى دور الرعاة ومسؤوليتهم في حفظِ استقامة السلوك، المترجِم للايمان المستقيم، لدى الشعب المؤمِن.

فَفي كنيسة الاله الذي تجسّد وصُلِب وماتَ وقامَ، لما، وبماذا تخدم الايمان، هذه المبالَغة، التي تتمّ بمباركة بعض الرعاة، في تَبجيل شعلة ناريّة آلت، أيًا كانَ سبب اشتعالها ومصدره، الى أن تكون كأيّة نارٍ أخرى، تَنطفئ وتُحرِق وتُشعِل وما الى ذلك؟ وهل سلوك هوَ يتوافق مع استقامة الرأي أن نسلك في ما يشابه مظاهر عبادة لهذه النار؟

فأينَ يكمن ما يُفرِح الربّ، أو يعنيه، في إقامة المراسم الرسميّة "للشعلة" وفتح صالونات الشرف لها وعزف موسيقى التعظيم واستقبالها من قبل الساسة الأرثوذكس واقامة الصلوات وترنيم ترانيم القيامة لها قبل اتمام خدمة الفصح؟

أبهذا نُحيي أعيادنا السيّدية ومناسباتنا الكنسية، وأفي هذا أيضًا ما يتوافق مع استقامة الرأي وما يعكس عظمة الفداء على الصليب، وما يتآلف مع "الروح المنسحق والقلب المتخشّع والمتواضع والافتخار بصليب ربّنا"؟

وما الدافع إلى أن يؤجَّل أو يُمَدَّد وقتُ البدء بخدمة الفصح (الهجمة والقداس) في بعض الرعايا إلى حين وصول "الشعلة"؟

أهوَ القول بأنّ "أن النور الذي لا يَغرب" أمسى محصورًا بها، أو بأنَّ مفاعيل خدمة صلاة سحر الفصح بَطُلَت، أو بأنَّ "الشعلة" أمست أهمّ من انتظام المسار الليتورجيّ والذبيحة الالهية، أو بأنّها أمست جزءًا لا تستقيم خدمة الفصح دونه، أو مسايرةً لما يهواه البعض وإنْ على حساب الجوهر واللاهوت؟

وماذا، إذًا، عن خدمة الفصح، دون "الشعلة"، خلال مئات السنين، وماذا عنها في مئات الكنائس الأرثوذكسية، اليوم؟

هذا التعاطي، المواكَب بحماس بعض الرعاة له، لا يُقلِق وحسب بل يُرعِب من أن يؤدّي إلى أن يحتلّ هذا الموضوع في الضمير الشعبي الايماني مكانة خاطئة قد توازي، يومًا، مكانة القيامة فيه، أو مِن أن يرتبط الحدث في الضمير الشعبي، نتيجة هذا السلوك، وبشكل انحرافيّ مع الحدث القياميّ دون أن يعود وينفكّ يومًا عنه.

ألا نخاف الأمر ونلحظ مسؤوليتنا، كرعاةٍ ومؤمنين، عنه؟ وبماذا سنُجيب الله يومَ يسأل لماذا دَفَنتم، في القيامة، تعبَ كبار هذا العصر الكنسي وانجازاتهم في تحرير الايمان في الضمير الشعبيّ من الصور السحرية الخاطئة التي أُلصِقَت به وإعادة البُعدِ السرّي ومفاعيله المقدِّسة والمُنيرة للقلوب والنفوس الى مكانته. 

ليسَ همّي أن أقول أنْ فاضَ النور أم لم يفض. همّي التذكير بأن طفولتنا شاهدة لأينَ كنّا، وشبابنا شاهدٌ لأين صارَ بنا الوعي وقادتنا إليه النهضة، وكهولتنا تشهد إلى أين نعود وننحدر، وأن أصرّح برجائي ألا تشهد شيخوختنا لانهزام المسيرة وكسرِ فرح الايمان واستقامته فينا.

همّي أن تبقى قيامة الربّ، وحدها، الحدث الذي يُسيّر حياتنا، وقيامتنا معه المُرتَجى الذي إليه نشخص وإيّاه ننشد. 

المشاركات الشائعة