الحركة، تعريف ورؤية

 رينيه أنطون

(بعض أقسام هذا النصّ تتضمّن أفكار أو نصوص مشتركة من مراجع أخرى، ولإخوة آخرين) 

تأسَّسَت في 16 آذار عام 1942، وهي منتشرة في حدود بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق. إعترف بها المجمع المقدّس عام 1945 على أنّها "حركة روحيّة كبرى تمثّل تجاه أرثوذكسيّي العالم وغير الأرثوذكسيّين الحركة الرسميّة للشباب الأرثوذكسي وللعمل الأرثوذكسي في الكنيسة الأنطاكية المقدّسة".

تنتشر مراكز الحركة في سوريا ولبنان. تشرف على عملها وتنسّقه أمانة عامّة يرأسها الأمين العامّ وتضمّ رؤساء المراكز ومنسّقين عامّين للأنشطة. يدير كل مركز مجلس للمركز يرأسه رئيس المركز ويضمّ رؤساء الفروع الحركيّة ومنسّقين للأنشطة في المركز. حدود المركز الحركيّ هي حدود الأبرشيّة وحدود الفرع هي، عامّةً، حدود الرّعيّة.

الحركة عضو مؤسّس في سندسموس "رابطة الحركات الأرثوذكسيّة في العالم"، وعضو في "الاتحاد العالمي للطلبة المسيحيّين".

 

انتشارها

في لبنان، تتواجد فروع ومراكز حركيّة في أبرشيّات عكّار، طرابلس والكورة، بيروت، جبل لبنان والجنوب.

في سوريا، تتواجد فروع ومراكز حركيّة في أبرشيّات طرطوس، اللاذقية، حلب، دمشق.

وتنسّق الحركة بشكل فاعل مع مكاتب التربية والتعليم الدينيّ في أبرشيّات زحلة وحمص وحماه.

 

ميادين حياتها وخدمتها وشهادتها:

يتوزّع أعضاء الحركة على فرق متعدّدة تتشكّل، بدورها، في أطر خاصّة بالطلبة الثانويّين والجامعيّين وبالعاملين والعائلات. يسعى الأعضاء إلى صيرورة فرقهم الحركيّة وحدات دراسة وعيش للصلاة والشركة والشهادة، فيغتذون منها للانطلاق إلى ميادين العمل الشهاديّ الكنسيّ كالعمل التربويّ والعمل الاجتماعيّ والعمل الرعائيّ والعمل المسكونيّ والنّشر. ومنهم من كرّس نفسه في الرهبنة وفي الخدمة الكهنوتيّة.

 

التكريس

 تدعو الحركة كلّ معمَّد إلى تفعيل معموديّته تكريسّا كلّيًّا للربّ فيغدو الربّ يسوع المسيح المرجع الأساس لكافّة وجوه حياته وتصرّفاته. كما تطلّع الحركيّون، بشوقٍ كبير، إلى الكاهن الذي يرعى بالفهم والحبّ، وعقدوا عليه الآمال باعتباره العامل الأساسيّ في النهضة المرجوّة. ورأوا أن السبيل إلى ذلك إحياء التكريس في الكرسيّ الأنطاكيّ. وقد أثمر هذا الهمّ عشرات من الكهنة الذين تخرّجوا من صفوف الحركة ولا يزالون، ومنهم أساقفة ومطارنة في المجمع الأنطاكيّ المقدّس.

هذا الهمّ هو الذي دفع أيضًا بشبّان حركيّين وشابّات حركيّات إلى الانخراط في الحياة الرهبانيّة، فأسهموا في انبعاث هذه الحياة. وتشهد لهذا الانبعاث الأديار التي تأسّست وتتأسّس هنا وثمّة، في أنطاكية، للرجال والنساء، أو تلك التي أُعيد فتحها بعد إقفال دام عقودًا، وقد أمست واحات تُسهم في انتعاش الحياة الروحيّة في هذه الديار.

 

العمل التربويّ

يتجنّد لهذا العمل عدد من شباب الحركة حيث يقوم البعض منهم، أسبوعيًّا، بتوجيه الأطفال إلى معرفة إيمانهم الأرثوذكسيّ والسعي إلى التخلّق بأخلاق يسوع المسيح، وذلك عبر أساليب وأنشطة تربويّة حديثة. ويهتمّ البعض الآخر بالفتيان والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة حيث يُقسَم هؤلاء الفتية إلى فِرق تتباحث في مواضيع إيمانيّة وحياتيّة.

 

العمل الاجتماعيّ

ترجمةً منهم لإيمانهم بأنّ الفقراء هم أحقّ الناس بالاهتمام، لأنّ كرامتهم من كرامة المسيح، أسّس الحركيّون عددًا من المراكز الصحّيّة الاجتماعيّة ولجانًا تهتمّ برعاية المحتاجين ومدّهم بالخدمات الطبّية، الرعائيّة والاجتماعيّة وبالمساعدات الغذائيّة والنقديّة دون أيّ تمييز دينيّ أو غيره.

كما أطلقت الحركة مشروعًا إنسانيًّا سمّته "مشروع التبنّي المدرسيّ"، يهدف إلى مساعدة الطلبة في تأمين أقساطهم المدرسيّة عبر تبرّعات دوريّة يلتزم بها المساهمون فيه.

 

العمل الرّعائيّ

يعاون الحركيّون كهنة الرعايا في شؤون الرعاية والافتقاد، ويساهمون في تأسيس العديد من الجوقات الكنسيّة، ويعملون على نشر مدارس الموسيقى البيزنطيّة في الرعايا، إذ يَرَون في ذلك سبيلًا لنقل الكلمة الإلهيّة إلى عددٍ كبير من المؤمنين. كما ينشط أعضاء الحركة في مجالس الرعايا ومجالس الأبرشيّات. وتجدر الإشارة هنا إلى الدّور الرياديّ الذي كان للحركة، أوائل السبعينات، في إصدار وتنفيذ قانون المجالس في الكرسيّ الأنطاكيّ الذي يُعتبَر، على صعيد التنظيم الرعائيّ، خطوة هامّة إلى الأمام.

النشر

مجلّة "النّور

تصدر الحركة هذه المجلّة منذ العام 1944 حيث يساهم الحركيّون مع عدد من الباحثين والمفكّ ن الأنطاكيّين

في نشر آرائهم وأبحاثهم على صفحاتها. وقد أضحت "النّور" مرجعًا يُستَفاد منه في الكثير من الأبحاث

والدراسات الكنسيّة.

 منشورات "النّور"

أطلقت الحركة هذه المنشورات منذ العام 1954؛ وقد صدر عنها عدد كبير من الكتب فاق، لغاية اليوم، المئتَيّ

كتاب. تعالج هذه الكتب المسائل الإيمانيّة والوجوديّة ضمن رؤية أرثوذكسيّة تنزع عن الله الأفكار الصنميّة. كما 

تقدّم مساهمات تربويّة غنيّة قائمة على العلم والاختبار الحياتيّ.

وفي خطوة لتفعيل النشر الأرثوذكسيّ ودعمه ساهمت الحركة، مؤخَّرًا، في تأسيس تعاونية للنشر سُمِّيَت "تعاونيّة

النّور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع"، تقوم على اكتتابات مادّيّة للمؤمنين. وتتابع هذه التعاونية إصدار الكتب

المتعدّدة المواضيع استنادًا إلى الرؤية ذاتها.

-----------------------------

محطّات من تاريخنا

وُلدَت فكرة تأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة العام 1941 في أفكار شباب كانوا يدرسون في المدارس الكاثوليكيّة، منهم جورج خضر وألبير لحّام ومتري قصعة وإدوار لحّام ومرسيل مرقص وجبرائيل سعادة، في اجتماع عُقِد في 6 شباط 1942 ضمّ حوالي 10 أشخاص معظمهم من طلاّب معهد الحقوق وكلّيّة الطبّ في بيروت، تقرّر تأليف لجنة قوامها جورج خضر وجبرائيل دبس وجبرائيل سعادة لوضع قانون للحركة.

أُقرّ قانون الحركة في اجتماع عُقِد يوم 16 آذار 1942 – وهو العيد الرسميّ لتأسيس الحركة – شارك فيه: جورج خضر – متري قصعة – جبرائيل دبس – ألبير لحّام – إدوار لحّام – ميشال خوري – جبرائيل سعادة – لطف الله ملكي – نقولا عبدوش – أندره عبدوش – إيلي برباري – جود خوري – إيلي صليبي – عوني تامر – فردينان داغر – جان عوض، وقد انتخب المجتمعون جورج خضر أوّل أمين عامّ للحركة.

في ربيع 1942، وفي دردشة مع رفاقه، قال جورج خضر: "لقد أوقدنا هذه الشعلة في الكرسيّ الأنطاكيّ، فإذا ما جاء يوم أردنا فيه التخلّي عن رسالتنا سيقوم جيل جديد يأخذ مكاننا، وهكذا تنتقل الشعلة من جيل إلى جيل".

---------------------------

بعض من رؤيتنا الحركيّة

 

في الرّعاية

تعي الحركة أنّ الكنيسة هي، قبل كلّ شيء، حقل رعاية، فيها تتمّ قيادة الرعيّة إلى حظيرة المسيح وإلى أن تكون الكلمة الإلهيّة قانون حياتها وحصنها. فيدرك الكلّ أنّ المسيح هو فيما بينهم كجماعة وليس فقط كأفراد، وأنّ وحدتهم قائمة على محبّة تجمعهم بالله وبعضهم ببعض. انطلاقًا من هذا، ترى الحركة أنّ مفهوم السلطة في الكنيسة قائم على المحبّة والخدمة ورعاية الأبناء بالاحترام الكامل للمواهب التي وهبهم إيّاها الروح. إنّها سلطة في الكنيسة وليس على الكنيسة، ولذلك تُقابَل بطاعة واحترام يرتكزان أيضًا على المحبّة.

من هنا يبرز أحد ثوابت الفكر الحركيّ وهو أنّ كلّ عضو في الكنيسة مسؤول ويمكنه أن يخدم بقدر ما أُعطيَ من مواهب. ولذلك ترى الحركة في مجالس الرعايا أحد أهم أطر الخدمة، فالانخراط فيها يُشعر كلّ أعضاء الكنيسة أنّهم يساهمون في العمل تفعيلًا لعضويّتهم في الجسد الواحد، لتستفيد الجماعة من كلّ المواهب التي لدى أفرادها.

 

في الكهنوت

تشدّد الحركة على أن الكاهن أساس في نهضة الكنيسة. يخرج من صفوف جماعة تدرس وتقرأ وتطّلع وتسأل، فيتجنّد للكهنوت بعد خبرة عاشها واكتسبها في الجماعة التي تلحظ موهبته. هو يبشّر بالكلمة ويكرز بها لينقل الله – المحبّة إلى الناس. علاقة الكاهن بالجماعة هي علاقة تكامل، فهما يتقدّسان سويًّا في صيرورة دائمة. يعلّم رعيّته ويتعلّم منها وفيها. يحييها بالمسيح الذي ينقله إليها ويحيا من المسيح الذي يلتقطه فيها ويقرأه على أكثر من وجه.

محوريّة دور الكاهن في الرؤية الحركيّة أثمرت اهتمامًا خاصًّا بمعهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ القائم في البلمند منذ العام 1970، وتطلّعًا إلى أن يكون المعهد شاهدًا للأرثوذكسيّة في هذه الدّيار وفي محيطها العربيّ باللّسان العربي، ورافدًا للكنيسة الأنطاكيّة برعاة وخدّام يخدمونها بالمعرفة والتقوى.

 

في التربية

تهتمّ الحركة بالتربية لأنّها تهتمّ بالإنسان في أبعاده كلّها. فإضافةً إلى المعرفة العلميّة، ترى الحركة في التربية تنشئة للشخص في الجماعة جسد المسيح، أي أنّها توجده وتنمّيه في آنٍ معًا. فالجماعة، جسد المسيح، هي إطار التنشئة، والأشخاص، بتفاعلهم بعضهم مع بعض، يقيمون هذه الجماعة متناغمةً، متكاملةً، طائعةً لإرادة العريس يسوع المسيح.

تؤمن الحركة بأن الشباب يجب أن يساهم في تثقيف نفسه. هو فاعلٌ في التربية لا منفعل لكونه ليس بمادة يكيّفها المربّي تكييفًا. المربّي يساعد الفتى على اكتشاف نفسه واقتحام صعوبات المعرفة فينمو بفعلٍ من ذاته.


في المؤسّسات الكنسيّة

ترى الحركة في المؤسّسة الكنسيّة إطارًا للشهادة عبر الخدمة. وأنّ هذه الشهادة تستقيم إذا ما ارتكزت بشكلٍ خاصّ إلى خدمة الفقراء والمحتاجين سواء كانوا من أبناء الكنيسة أو لا. إنّ اكتساب المؤسّسة الكنسيّة هذه الهويّة لا ينفي عنها دورها بالمساهمة في تطوير المجتمع عبر سعيها المرجوّ إلى التميّز بإنتاجيّة عالية، ودقّة علميّة، وتربية انفتاحيّة، وفرادة في العلاقات والتعاضد بين مختلف العاملين في رحابها.

 

في المال في الكنيسة

المال، بحدّ ذاته، لا يشكّل مشكلة. ما يجعله قضيّة تمسّ حياتنا في المسيح هو الموقف منه والرؤية إليه وكيفيّة التعاطي معه. المال هو لخدمة الإنسان في حياته ليس إلاّ. ومن لا يترفّع عن المال وعن التملّك لا يمكنه أن يكون من جديد عشير الله وعشير الله وحده. فلو احتفظ كلّ واحد بما يسدّ حاجاته الاعتياديّة فقط وتخلّى عمّا يفيض عنه للمعوزين، لما بقي في الأرض غِنىً وفقر. خاصّة وأنّ الإنسان لا يستمدّ قيمته ممّا يملك ولكن من إنسانيّته المُفْتَداة بدم الحمل، والمدعوّة إلى التألّه.

"الكنيسة ككلّ، والحركة من ضمنها، معنيّة مباشرة بإشكاليّة المال ليس فقط كملهمة للمؤمنين، بل أيضًا وخصوصًا كمثل يُحتَذَى في موضوع اختبار مقولة بولس الرسول لنا "نملك وكأنّنا لا نملك". هذا ما يُوجِب أن تكون الممتلكات في الكنيسة، إن وُجِدَت، لخدمة الفقراء.


في التزام شؤون الأرض

إيماننا أنّ السماء والأرض قد تلاحمتا في التجسّد. فالسماء لا تلهي عن الأرض ومن يعمل لسمائه إنّما يعمل للأرض، إذ لا فرق بين آتية وحاضرة. الملكوت من هنا يبدأ، يأتي إذا ما ملأ الرغد والهناء الأرض وعمّها الفرح والحبور. من هنا تنطلق رؤيتنا القائلة بأنّ الهاجس الاجتماعيّ عنصر أساسيّ من عناصر الحياة الروحيّة، حتّى أنّ الحياة الروحيّة لا تقوم بدونه. ليس هو، في المنظار المسيحيّ، أمرًا مستقلًا إنّما هو بعدٌ لكيان يتجاوزه لكنّه لا يقوم بدونه. وترجمةً لذلك نرى أن المحبّة المسيحيّة تلزمنا بالعمل على تغيير البُنى الاجتماعيّة التي تكرّس الظّلم كي لا يظلّ في المجتمع ظالم ومظلوم إلى أيّ دين أو فئة أو طائفة انتميا. فرجاؤنا الدائم، على هذا الصعيد، أن تكون الكنيسة ضمير العالم بأسره، لأنّ يديّ المصلوب مفتوحتان للكّل لا لفئة ارتاحت لتذاكر هويّاتها عتبة للملكوت.

 

في العمل المسكونيّ

تهتمّ الحركة بالعمل المسكونيّ لأنّها تعي أهميّة ارتباطها مع هيئات أخرى تشكّل وإيّاها مجالًا لشهادة أوسع. هذه الخبرة تفسح المجال أمام المعرفة كي تتوسّع وأمام المحبّة كي تنمو. فالمحبّة، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحقيقة، هي أساس العمل الوحدويّ.

ترى الحركة أن تنمية المحبّة والاحترام المتبادلَين، وتفعيل العمل المشترك بين أبناء الكنائس الشرقيّة يسمحان للعاملين معًا بأن يكتشفوا أنّهم إخوة في المسيح، وبأن يفعّلوا أخوّتهم من خلال خدمة وشهادة واحدة على رجاء اشتراكهم يومًا في الخبز الواحد والكأس الواحدة.

تهتمّ الحركة، من ناحية أخرى، وانطلاقًا من قناعتها برسالتها الإنسانيّة المطلوبة منها حيث هي موجودة، وبضرورة مدّ الجسور بين الإنسان وأخيه الإنسان أيًّا كان إيمانهما، بموضوع الحوار المرتكز على احترام الآخر والتفتيش الدائم عن القواسم وأطر الشهادة المشتركة مع مسلمي هذه الديار الذين نحيا معهم في رحاب المشرق العربي.

__________

*نُشرت على الموقع الالكترونيّ للحركة


 

 

المشاركات الشائعة