المسؤولية في الكنيسة

رينيه أنطون

نشرة الكرمة - 14 شباط 2010 


نُخطئ أحيانًا، في فهمنا للمسؤولية في الكنيسة وأهدافها. وكثيرًا ما تعود أسباب هذا الخطأ إلى تعاطينا معها بمنظار العالم وارتكازنا الى مقاييس دنيوية في تقييمنا للنجاح والفشل فيها. هذا في حين أنه لا يستقيم رأيٌ، في الكنيسة، أو ممارسةٌ بمعزل عن النظر الى شؤونها بعينيّ الربّ، والاخلاص لرسالتها وغاية وجودها في العالم. 

الكنيسة هي جماعة خاصةّ الربّ مُرعاة منه (يوحنا 10: 14 - 15)، وجسد المسيح المبنيّ على تعاليم الرسل وأساس واحد هو يسوع المسيح (أفسس 2: 20-21). وهي، كما يقول القديس غوريغوريوس بالاماس، شركة التألّه، لأن غاية وجودها أن تقود الانسان الى التألّه. إذًا الكنيسة هي واحةٌ للحضور الالهي في الأرض، غايتها أن تمدّ هذا الحضور في العالم وترتفع به من دنيويته الى الألوهة. ولهذا تحفظ تميّزها عن العالم لكونها ليست منه وإنّما تنحدر من الله لتكون ملحًا إلهيًّا فيه وخميرًا.

انطلاقًا من هذا المفهوم، يولد كلّ مسيحيّ، في إيمانه، من الله ليخصّه ويختصّ به ويكون رسول كلمته في العالم. فلا يُعجن بعجين الدنيا ويحمل الفكر الدُنيوي في عالمه، بل يثبت في كونه خميرًا حاملًا، أينما حلّ، فكر مسيحه ونوره. فينظر، بهذا الفكر ومن خلاله، الى كلّ وجوه كنيسته والحياة ويتعامل معها مستندًا الى الرؤية الايمانية التي يتحلّى بها. بهذا المنظار، يمسي كلّ مؤمن في الكنيسة مسؤولًا، ومسؤوليته تُختصَر في تحقيق مشيئتة الله وإرادته والاهتمام بما يعنيه ويُفرحه ويُرضيه. 

فإن تناقضت رؤية الكنيسة للأمور مع رؤية مُعظم الناس  لها، واختلفت الصفات التي ترتجيها في كلّ مسؤول كنسيّ عن تلك التي يرتجيها العالم، فهذا ليس مدعاة لتخلّي المسؤول الكنسيّ عن الأساس الذي منه ينطلق بل حافزًا للتشبّث به. فالربّ لا يعنيه غير أن يتحلّى كلّ مسؤول في حياة كنيسته بالبساطة الانجيلية والوداعة والمحبّة والعطاء ليكون، وسط الجماعة، مثالًا مُربّيًا. وأن يساهم بتحقيق غاية الكنيسة في بناء النفوس والارتقاء بها الى الخلاص. وأن يسود الفقراء على ضميره واهتماماته لأنّهم أحبّاء سيّده. وفي غير هذه الحال نحن مدعوّون الى توبة. توبةٌ الى أن نرفد خدمتنا، في أيّ لجنة أوهيئة أو مجلس وجدنا، بمزيد من الصلاة، ونخلع عنّا روح المُزاحمة والانتفاخ، ونصون حياتنا الكنسية مما يُسخّرها لخدمة أمجاد الناس. فنولي الأولوية لبناء الانسان في محبّة الله، وليس لبناء الحجر، ونكون أبناءً لملكوت الله في الكنيسة والدُنيـا لا شهودًا للدنيا في كنيسته. حينها سنفرح ونُسرّ بكلّ ما يمجّد يسوع المسيح، حقيقةً، في كنيسته والعالم.

 

 

 

المشاركات الشائعة