خدمتنا الاجتماعية

رينيه أنطون

نشرة الكرمة - 5 كانون الأول 2010


الصومُ هو فترةٌ تدعونا إليها الكنيسة استعدادًا لاستقبال الأحداث والمُناسبات الخلاصية والكنسيّة الكُبرى. فنتأهّل لهذه المُناسبات بأن نُعرض عن تلبية الكثير من حاجاتنا الحياتية والتخفيف من وطأة أهوائنا وأنانياتنا لنكون أكثر قربًا من الله وأهلًا  "لشركة الفرح" معه حسب تعبير القدّيس باسيليوس الكبير. بمعنى آخر، الصوم هو دعوة لنتذكّر الله ونعمه،  فنُهمل التنعّم بعطاءاته والفرح بها كيّ نتوجّه إليه ونفرح به. 

ترجمةً لذلك تُذكّرنا الكنيسة بالفقراء وتدعونا إلى تكثيف اهتمامنا بهم سبيلًا إلى أن نكون، في فترات صومنا، في شركة صادقة مع  الربّ الذي وحّد ذاته بهم. ولهذا تُبادر مجالسنا وجمعياتنا وهيئاتنا الكنسية إلى تكثيف تعاطيها الاجتماعي هذه الفترات. هذا الأمر، المُفرح بالطبع، يلفتنا إلى أهمّية أن تبقى غاية الخدمة الاجتماعية، في حياتنا الكنسية، حاضرةً جليةً في أذهاننا كيّ يُثمر كلّ جهد لنا على هذا الصعيد، خصوصًا والكلّ يُدرك أن قدرًا من التشويه قد لحق بهذه الغاية نتيجة الآلية المؤسّساتية التي تُحيط بهذه الخدمة.

أولًا، ليتنا نذكر أنّ كلّ خدمة في كنيسة الربّ، أيًّا كان وجهها، هي خدمة رعائية لا تنفصل أهدافها عن هدف الرعاية الأوحد الذي هو أن نأتي بالأبناء إلى حُضن الله وكنيسته عبر تلمّسهم لاحتضان الربّ ومحبّته لهم. وهذا ما يتلمّسوه، أساسًا، من خلال حضور الكاهن والرعية وسط أفراحهم وأزماتهم. لذلك إنّ اقتصار خدمتنا للفقراء على التلبية الجزئية لحاجاتهم المادية، فقط، دون أن تتعدّاها إلى سائر وجوه الرعاية، بما فيها من افتقاد وارشاد ورعاية، تبقى أعجز من أن تصل بهم الى الغاية الأهمّ التي بها يكمن خلاصهم، وخلاص الناس، من كلّ ألم وقهر.

ثانيًا، علينا أن نُدرك أن هذه الخدمة ليست هي وظيفة مؤسّساتية نُكلَّف بها، وعمل خيريّ نمارسه وواجب إنساني نقوم به. إنّها، في منظارنا، فعل محبّة. والمحبّة، في كنيسة الفادي، ليست شأن المُختصّين واللجان المسؤولة وحسب. هي شأن الجماعة كلّها وركيزة وجودها ومحوره. وإن إضطرّنا الأمر إلى لجنة أو مُختصّ فإنما من أجل أن نُجسّد، كجماعة، هذا الهاجس لدينا بلياقة وترتيب وعلم وفاعلية، وليس من أجل أن نحصره بفئة محدودة بيننا دون إهتمام الكلّ ودعمهم ومواكبتهم. 

ثالثًا، بهذه المحبّة تتميّز خدمتنا ونعي أن الفقير، في وسطنا، ليس عبئًا أو رقمًا أو وسيلة إثبات وجود، فيتقدّم، لدينا، همّ العناية بشخصه وكرامته عن سائر الهموم. وبها نُدرك أن المُحتاجين أسيادٌ لنا لأن الله شاءهم حقلًا، أهمّ، لها نزرع فيه بذور الشركة والأخوّة لتُثمر لنا الخلاص. يُخبر أحد أئمّة كنيستنا الأنطاكية أنّه اعتاد، في زمنٍ مضى، تناول الغذاء أسبوعيًا على مائدة إحدى العائلات في رعيّته. وحين سأله ربّ العائلة سببَ عدم شكره، يومًا، للعائلة على استضافتها الدائمة له أجابه: لأنّ عليكم، أنتم، أن تشكرونني، فأنا أُفسح لكم  المجال لفعل المحبّة. 

 قد يحمل تعاطينا الاجتماعي، هنا وثمّة، ومضات مُضيئة، لكنّه، بالتأكيد، لا زال يحتاج إلى أن نتربّى ونُربّي على هذه الرؤى لإيماننا بالمسيح  كيّ يستقيم، أكثر، ونجرؤ على شُكر الفقراء.

 

 

 


المشاركات الشائعة