في القطار إلى باريس

رينيه أنطون - ٣ تشرين الأوّل ٢٠٢٤ 


في طريق العودة إلى لبنان من ضيافة الأحفاد

-----

الوطن وجوهٌ. منها ما يختصّ بقلبكَ وعقلك وكيانك، أي شركاء نبضِك، ومنها ما يختصّ بتكوّنكَ في الوجود وسعيكَ إلى أن تكمَلَ بكمالِ إلهك. 


فحيثُ هناك وجه من تلك يكون لكَ وطن. وطنٌ وِسعه من وِسع مكانة ساكنيه فيك. أمّا الحجر فلا شأن له غيرَ كونه شريكًا للوجوه في سَكن عينيك، موطئًا لأقدامها، وحسب. 


اعتدت أن أعودَ إلى لبنان مِن هنا، كما آتي منه، مفطورَ القلب، تاركًا وجهًا، حاجًّا إلى آخر. فهذا الوطن أخبرني مرّات ومرّات أنّه لا يألف الوجوهَ مجموعةً في العينين. 


أمّا المرّة، هذه، فتختلف إذ أعود، أيضًا، قلقًا، مكسورَ القلب. ففي بلدي، الآن، يكثُر الموت وتتفجّر منابع القهر والظلم والمآسي والدموع، ووحشٌ عادَ يُخبِر أنّه لا يألف فيه بشرًا ولا نبضًا ولا حياة، ولَن يدع له ربوع.


والمرّة، هذه، تختلف، إذ طالَ الالتصاق بتلكَ الوجوه الملائكيّة، الفردوسيّة الجمال، التي لا تبارح نبضات الحبِّ والاحتضانِ والتدليلِ في الأجداد، حتى غدا تمزّق القلب، فيّ، انسلاخ.

يبقى، أنّ بسمةً على الوجوه الدامعة، ودمغةَ حقّ وانتصار، في بلدي، قد تداوي.