ميرنـا غازي

رينيه أنطون – 21 اذار 2009


أمس، قبل أن يخفت ضجيج العيد، سارعت ميرنا غازي إلى إحياء الذكرى كما يليق بجسدها. فلملمت، إبنة الجماعة، الحكايات والصور وما حضر من محفوظات العمر القصير، وحاكت بها بذلة الرحيل وعبرت بها عتبة الانتقال. لم تقصد ميرنا أن تتزيّن، حيث سترقد، بحركيّة طبعتها وفخرت بها. أبدًا، فهي ما كانت يومًا إلا عشّارية الهوى. قصدت أن تروّض التراب، الذي سيستحيل إليه جسدها، وتمنع عنه أن يطمر ما في خلاياها من وزنات خدمة وحبّ، من صورة الربّ. فارتدت، في العيد، ما يصير به طينًا مجمَّلًا بهذه  الوزنات، بانتظار ذلك اليوم العظيم.

 حين يحفر الانتماء الى يسوع المسيح عميقًا في كيانك ويلامس العظم فأنت منتصر، دون ريب، على الموت وحامل لطيب هذا الانتصار في الحياة. وميرنا غازي من اللواتي فاح منهنّ هذا الطيب. فمنذ أن تعرّفت على العريس، كنت تراها لا تعرف الاعتدال في الحبّ، ومنذ أن تحرّكت حركته في أحشائها، كنت تراها لاتعرف السكون، حتّى تحوّلت وجهًا يحرّك ركودك ويُزعج هدوءك ويُطيح بسلامك إلى حين أن تُذعن لما كُشِف لها من رؤى. 

 فيها، حجب وهج ثورة الحبّ الكثير من فعل الضعفات، وصدّ عنها قدرة أن تفهمَ فِعل التي فيك. كيف لها أن تأخذك عن وفاء ما للمسيح عليك من فداء، وأن تمنع عنك مبادلة ربّك ما له عليك من حنان. وصار إن شعرِتَ أن طلّتها غابت عنك، بعض الشيء، أيقنتَ أن السبب نتوء مكامنُ الضعف فيك، فبادرتَ ونفضتَ عنك القروح لتشدّ حضورها إليك من جديد.     

ليس من البشر هو من آل بميرنا غازي هذا الضمير. فالمربّون ليسوا غير سواقي يجتازها روح الله في طريقه إلى الحقول البشرية ليغرس فيها بذور الحقيقة الالهية ويروي عطشها، قدر ما تأهّلَت، الى الكمال. ما صار بميرنا خاصّة الله أنّها أطلّت بعطشٍ غريبٍ إليه يزداد كلّما ارتوى بذبيحته. فسارع الروح إليها، لبّى هواها وزادها موهبةً، وهبها عطرًا نصب فيها الاشتياق إلى المصلوب لتختصر لحظات الموت، لتعبر معاناة الاشتياق، وتقفز، منتصرةً، إلى الحياة.

 كلّ الوجوه آمنت اليوم بالانتصار على الموت ورنّمت في العرس، مع راعيها، المسيح قام. كلّها انتصبت شاخصةً الى قبر الراميّ مزهوّةً رافعةً، بفرح قياميّ، نعش الموت مختومًا بعلامة الانتصار. وحدها ميرنا غازي بقيت لا تفهم لغة الارتفاع. لا يعنها الضجيج. بقيت منهمكةً، منحنيةً حيث حلّت، تَحبُك خيوط شركتها الجديدة وتشيد اللغة التي تفهم. تبني مخدع صلاتها من أجل الأحياء. تنتظر، فيه، الختن العريس.

_________     
*مرشدة من بصرما، مؤسِّسة للفرع ومسؤولة ناشطة جدًّا رقدت بسبب المرض شابةً.                                                                                                                  

  

المشاركات الشائعة