مقابلة مع الأمين العام

 رينيه أنطون - مع مجلة السراج الأرثوذكسيّ


برأيك، هل يختلف مفهوم الحركة في الماضي عن مفهومها اليوم؟

بدايةً، أختصر الإجابة بالقول أنّ الحركة، في هويّتها ومبادئها وحياتها وأهدافها، هي هي أمس واليوم وغدًا، لأنّ المسيح هو هو، وبالتالي فإنّ مفهومها، إذا جازت التسمية، سيبقى واحدًا مهما كثُرت سنون عمرها. لكنّ السؤال يعكس، برأيي، تأثّرًا بما يسود خطأً في بعض أوساطنا الحركيّة من تحسّرٍ على الماضي الحركيّ وتفضيله على حاضرنا اليوم. لا شكّ بأنّنا جميعًا نفخر بتاريخنا الحركيّ الذي نغرف منه الكثير ممّا يقوّينا ويثبّتنا في خدمة كلمة الربّ يسوع المسيح. لكنّ للماضي تألّقاته وضعفاته، كما للحاضر أيضًا تألّقاته وضعفاته. وما أرجو أن نفهمه ونعيه هو أنّ الظرف الكنسيّ والرعائيّ والمجتمعيّ الذي أحاط بالعمل الحركيّ في الأمس ودفع الأجيال الحركيّة السابقة إلى تحديد أولويّاتٍ ترى بها سبيلاً لتحقيق أهداف الحركة هو غيره اليوم. وبالتالي، نحن مدعوّون، إن شئنا أن تكون لنا الأصالة الحركيّة، أن نسير بالأولويّات التي نرى فيها اليوم، ووسط ما يحوط بنا من ظروف، ما يساعد على تحقيق هذه الأهداف أيًّا كان اختلافها عن أولويّات الماضي. الأساس هو أن نبقى ثابتين في عشرة الله من خلال الصلاة والأسرار والكتاب المقدّس والتقليد والتراث الكنسيّ والجهاد الشخصيّ لاكتساب الفضائل، وأيضًا، أن ننطلق من هذا الأساس لنقل كلمة الله إلى عالمنا والشهادة لمسيحنا في وسطه باللغة التي يفهمها العالم والوسيلة التي تشدّه إلى الربّ، وليس، بالضرورة، باللغة والوسيلة التي اعتدنا عليهما. هذا ما يكمّل التزامنا الشخصيّ والحركيّ بحيث إن فعلنا ذلك لن نكون خارجين عن الأصالة الحركيّة بل سنكون أكثر الأمناء لها.

ما هي صعوبات العمل الحركيّ اليوم وما هي سُبل معالجتها؟

طبعًا إنّ الصعوبات كثيرة ولا مجال لتعدادها كلّها الآن، لكنّ أهمّها، برأيي، هي تلك الناتجة عمّا يسود في عالمنا من أزمة التزام لدى الشباب على مختلف الأصعدة. لا شكّ بأنّ أقوياء هذا العالم المتسلّطين عليه يسعون بكل الإمكانيّات التي يملكون إلى تشجيع الشباب على التفاهة واللامبالاة وتجريده من روح الالتزام وخصوصًا منه الالتزام الإيمانيّ. وهذا ما نعانيه بشكل جليّ جدًّا في بعض البرامج الإعلاميّة التي لا هدف لها إلاّ التعرّض للمفاهيم والقيَم الإيمانيّة والإنسانيّة والتشجيع على اللّهو والاستهلاك. هذا ما يتطلّب، أوّلاً، من المسؤولين الحركيّين والأعضاء أن يتميّزوا بوعيهم لمفهوم الحياة ولمحوريّة الإيمان بيسوع المسيح فيها. كما يتطلّب، بشكل خاصّ، من القيّمين على العمل الحركيّ أن يولوا الجيل الشبابيّ المزيد من الثقة وأن يشجّعوا إطلالاته في المطلاّت الحركيّة العامّة لترسيخه في مسار الالتزام الكنسيّ، وكذلك أن يسعوا ويوجّهوا إلى أن تطال المواضيع التي تبحثها الفرق واللقاءات والندوات جميع وجوه الحياة. فلا مفرّ لنا من أن نقارب كافّة الأمور التي نعيشها، يوميًّا، بروحٍ إيمانيّة وبنور الربّ. رجائي ألاّ نخاف من بحث أيّ موضوع يعني كلّ منّا في حياته، إذ ليس من سبيل أمامنا غير هذا لتحصين الشباب الحركيّ في وجه كثافة الصعوبات والتحدّيات التي يتعرّض لها اليوم.

كيف يمكن، برأيك، تطوير أساليب التعليم الدينيّ في الحركة؟

أوّلاً، أمانةً لقناعاتي، أؤكّد أنّ أهميّة التعليم الدينيّ الذي نقوم به لا تكمن أبدًا في الوسائل والأساليب التي نتّبعها لإيصال المعلومة الدينيّة، بل في القنوات الشركويّة التي يُقام فيها هذا التعليم وحيويّتها، أيّ تحديدًا، في حياة الفرقة. فميزة الحركة وأهمّيّتها، إضافةً إلى كونها تجسّد وحدة الشباب الأنطاكيّ، أنّها واحة شركة تتعدّد فيها هذه القنوات لينمو الأشخاص بيسوع المسيح في رحابها. وهذا النموّ يتمّ ارتكازًا إلى اكتساب فكر إيمانيّ مسيحيّ ودفع باتّجاه تجسيده في كلّ وجهٍ من وجوه الحياة ونقل خبرات واختبارها عيشًا وشركةً. اليوم قد يكون التعليم الدينيّ، بمفهومه التقليديّ، أمسى مجال اختصاص وربّما قد كثر المختصّون به، لكنّ هدفنا على هذا الصعيد قد يكون متمايزًا. فأن تعرف عن الله أمرٌ وأن تعرف الله أمرًا آخر. لذلك أقول ليس همّنا، في التعليم الدينيّ، أن نصل بالمعلومة الدينيّة إلى الطفل أو الشاب بل أن نصل بهما إلى أن يعرفا الله معرفةً عميقةً، وهذه المعرفة تتكوّن، في يقيننا، من خلال عشرة الكتاب المقدّس والصلاة والأسرار وحياة الكنيسة، ومن خلال معاينة حضور الله في حياة الأشخاص ومطلاّت الشركة والوحدة حولهما. أمّا المدخل إلى هذا كلّه واحدٌ وهو أن نزرع في الشخص بذور محبّة الله والالتزام بكنيسته. فانطلاقًا من هذا إن شئنا تفعيل التعليم الدينيّ، علينا أوّلاً الإتيان بالمرشد المؤهَّل لهذه المهمّة ومن ثمّ نبحث في الوسائل والأساليب. فعلى الصعيد الأخير أعتقد بحاجتنا إلى التواضع، بعض الشيء، والاستفادة من الطّاقات العلميّة والتربويّة المختصّة كي نستطيع تسخير الوسائل المُتاحة أمامنا في هذا العصر لهذه الخدمة.

هل تعتقد أنّ التواصل بين المراكز هو وسيلة لتطوير الفكر الحركيّ الأرثوذكسيّ؟ وما هو تقييمك للتواصل القائم الآن؟

أوّلاً من الضرورة أن أوضح أنّنا إن تحدّثنا كثيرًا، في حياتنا الحركيّة، عن التواصل وأهمّيته فإنّما لا نعني به تمتين التواصل بين أطراف متعدّدة. فالحركة هي حركة واحدة أينما وُجِدَت في أبرشيّات الكرسيّ الأنطاكيّ والرؤية الحركيّة واحدة والمبادئ واحدة، وكلّ من انتمى إلى الحركة، في أيّ مكانٍ، فإنّما انتمى إلى هذه الوحدة في الحركة. وما يدلّ على هذا هو انخراط جميع المراكز الحركيّة في الأمانة العامّة. أمّا منبع اهتمامنا بالتواصل فهو لاختصار المسافة الجغرافيّة من أجل وضع الخبرة الحركيّة في مكان ما بمتناول كلّ الأمكنة، وتكثيف لقاء الوجوه الحركيّة، بعضها مع بعض، وبناء المزيد من أطر التفاعل الفكريّ والحياتيّ بين أعضاء الحركة ومسؤوليها، ودعم المراكز بعضها بعضًا، وتنسيق العمل الحركيّ والإشراف عليه بكافّة وجوهه وأينما وُجد من قبل الأمانة العامّة. لهذا قد يساهم التواصل بتغذية الوحدة الحركيّة وتبيان بعض الحاجات التي يتطلّبها العمل الحركيّ وتسريع العمل على تلبيتها وكشف حقيقة الرؤية الحركيّة وأصالتها وتظهير الفكر الحركيّ السليم للأعضاء أينما وُجدوا. وهذا كلّه قد يساهم في تطوير ترجمتنا للفكر الحركيّ بحيث أنّ الترجمة قابلة دائمًا للتحرّك والتطوّر باتجاه ما يخدم رسالتنا. أمّا فكرنا الحركيّ فهو فكر واحد وثابت لا يتغيّر طالما أنّ الحركة قائمة. وهنا أشكر الله الذي أعطانا أن نعي في كلّ مراكزنا وفروعنا أهمّيّة التواصل بيننا. وهذا ما يجعلني فرحًا ومرتاحًا إلى العديد من الأمور، منها التلبية الجيّدة لاجتماعات الأمانة العامّة واللقاءات التي تدعو إليها، وكذلك التفاعل مع الخطوات الجديدة التي بادرنا إليها "كالخبر الحركيّ" الذي يصل إلى عدد كبير من شبابنا، وتطوير الصفحة الالكترونية التي سنشهدها بحلّة مختلفة ومضمون جديد في الأسابيع القليلة القادمة.

هل ترى أنّ تنمية الثقافة الشخصيّة العامّة (غير الدينيّة) لدى الشباب الأرثوذكسيّ أمر ينعكس بشكل إيجابيّ على التزامه الحركيّ أم لا، ولماذا؟

لا ينفصل البُعد الشهاديّ للالتزام الحركيّ عن أبعاده الأخرى. وقد اختصر الأخ كوستي بندلي هذا الرأي منذ زمن بعيد بقوله "إنّ الحركيّ هو ... ومن يعمل على تكوين حكم مسيحيّ في كلّ وجوه الحياة، و... يتحلّى بجرأة الشهادة للموقف المسيحيّ ويكون كالخمير وسط العجين في صميم هموم البشر والعالم". من هنا أنظر إلى الثقافة الشخصيّة كشأنٍ مهمّ جدًّا لكلّ من التزم بيسوع المسيح. فالمعرفة المتعدّدة الوجوه تسهّل عليه تكوين رؤية مسيحيّة لشؤون الحياة تنبع من صميم مواكبته لمسار العالم واهتماماته وتطوّره ولكلّ ما يعيش فيه ويدور حوله، لتأتي شهادته للمسيح فاعلة ومكمّلة لعيشه الشخصيّ، فهدف الشهادة الأوّل هو نقل هذه الرؤية إلى العالم لتفعل فيه وتكون خميره. أضِف، أيضًا، أنّ المطلاّت الثقافيّة، كالأدب والفكر والفنّ وغيرها، هي من وجوه الارتقاء والتألّق الإنسانيّ التي يفرح بها الله بحيث إن اتّسم بها من يحبّ المسيح، إلى جانب اتّسامه بالفضائل الشخصيّة، استحال بشخصه شهادةً حيّةً للربّ. فمن خلال النظر إليه سيُدرك الناس أنّ إلهنا هو منبع كلّ خيرٍ وجمال وتطوّر. ولنا على ذلك خير دليل من خلال معلّمَين لنا أذكرهما مثالاً لا حصرًا نظرًا لغزارة انتاجهما هما المطران جورج خضر والأخ كوستي بندلي، وقد سعينا إلى الإضاءة على التألّق الفكريّ والثقافيّ لهذَين الرسولَين وتأثيره على ثقافتنا العربيّة خلال المنتدى الحركيّ الأوّل الذي عقدناه في الأوّل من آذار.

هل يمكن إيجاز تطلّعاتك المستقبليّة للعمل الحركيّ؟

يمكن لأيٍّ من الأخوة أن يطّلع على تطلّعاتنا المستقبليّة من خلال التقارير المرفوعة إلى المؤتمرات الحركيّة والمُدرَجة على الصفحة الالكترونيّة، لكن اختصارًا، أقول أنّنا نسعى، قدر ما يقوّينا الله، إلى تكثيف وجوه الوحدة بيننا عبر تفعيل الحلقات واللّقاءات والاجتماعات العامّة، وإلى المزيد من الإطلالات الإعلاميّة التعليميّة البشاريّة منها وتلك التي تعرِّف بحركتنا ومساهمتها على كافّة الأصعدة. وسنعمل دائمًا، بإذن الربّ، على ترسيخ أعضائنا الحركيّين في التزامهم وعلى تحصينهم في وجه التفاهة والفراغ عبر سُبُل متعدّدة قد يكون منها جمعهم وتعريفهم، بشكلٍ دوريّ من خلال فرق مركزيّة، ببعضهم البعض من مختلف المراكز وبمرشدين وأخوة تميّزوا في التزامهم الكنسيّ والحركيّ. وطبعًا سنبقى متشبّثين بالتزامنا الحركيّ وبحرّيتنا في المسيح، راجين أن نرى المزيد من الشباب ينخرط في حمل همّ كنيسته.

 


المشاركات الشائعة