الأخ فوّاز خوري - الأثَر

رينيه أنطون - 5 شباط 2024


كانت بداية الثمانينيّات، وكان لقاءٌ للجامعيّين بدعوةٍ من الأمانة العامّة في دير القديس جاورجيوس، الحميراء. لم تكن مضافات الدير على ما هي اليوم من الأهليّة الأمر الذي جعل شكوى المشاركين ملازمة لأيّام المخيّم ونقاشاته. كان المسؤول عن المخيّم، حينها، الأخ سامر لحّام، وكان كبير المرشدين فيه، أو مرشده، الأخ فوّاز خوري، مرشدٌ من دمشق. رجلٌ بدا لنا حينها قليل الكلام، ذو ملامح قاسية بعض الشيء وجادّة كثيرًا، حازمًا في قراراته. وهو الأمر الذي جعل المشاركين يتعاطون معه كما اعتادوا من تعاطٍ في ذلك الزمن مع الأساتذة، أي بانتقادات ضمنيّة وتأليف "الخبريات" والجمل الموسيقية الترفيهية عنه.

حتّى الأمس، كنت لا أدري لماذا لم ينفصل وجه الأخ فوّاز عن الزمن الحركيّ الذي فيّ، ولم يغب أسمه عنّي وعن معظم المشاركين في ذلك المخيّم في كلّ استذكار له. وعدا السؤال أو الاطمئنان عنه بعض الأوقات كنت لا أدري، أيضًا، لماذا لم ألتفت اليه تكليفًا بأيّ مسؤولية في الأمانة العامّة أو ألتَقِه في أيّ لقاءٍ مشترك، رغم مسؤوليتي الطويلة فيها عدا مرّة أو إثنين أثناء زيارة حركيّة لدمشق.

قبل أمس، وأمس، بلغني الجواب. 

فقبله، وعبر برنامج تعدّه الأمانة العامة تعريفًا بكبارٍ من الحركة، شاهدت الأخ فوّاز في شريطٍ مُسجَّل واستمعت إليه. وجدت نفسي أمامَ مُختبِرٍ في الايمان والنهضة، ملتزم، ملتصق بهموم الكنيسة والحركة، عاشق للتراث وحريص على حفره في أعماق الشباب، فيه من المحبّة والوداعة واللطف والتأثّر ما جلى بالجمال والحنان تلك "الصورة" التي رسخَت، يومًا، في عقلنا الفتيّ عنه.

وأمس، وبعد انتقاله إلى حيث الانتظار في ضياءِ وجه المسيح، وعبر شهادات خُطَّت عنه وفيه، أُستُكمِل الجواب. برز الأخ فوّاز المهندس الفاعل في مدينته والمرشد المؤثّر كثيرًا في حركته، الباني في المسيح، المغيِّر في أعماق الكثيرين ومسار البعض، القائد للشباب إلى حيث لا شيخوخة ولا أفول، بل عبور، إلى الطريق التي فتحها له الربّ في العام ١٩٤٢. 

الجواب، أنّ الأخ فوّاز، الكبير المُحتَجِب، كان هو، طيلة هذه المدّة، الشاب الحاضر ما جعلني أتساءَل عمّا اذا كنت أنا، طيلتها، هوَ الغائب.

 


المشاركات الشائعة