التحزّب والانتماء

 رينيه أنطون - 27 تشرين الأوّل 2019


ليس المطروح هنا إلى أين ينتمي المؤمن ليكونَ متصالحًا ومنطلقاته الايمانيّة، فهذا شأن  يخصّ كلّ شخص وتقييمه، وإنّما المطروح كيف ينتمي ليبقَى متصالحًا معها، وهذا هو الأهمّ.

فالانتماء إلى أيّ جهةٍ سياسيّة، وموالاتها، لا يستتبِع التحزّب لها. قد لا يُفهَم هذا التمايز لدى الجميع، وقد لا يرَى البعضُ به طرحًا موضوعيًّا. لكنّ هذا لا يُغيّر من حقيقةِ ما أراه.

ففي التحزّب، نتعامل مع التموضع  السياسيّ كشأنٍ ثابت، أيًّا كانَ ما صارت عليه مواقف الجِهة التي نتمي إليها، وما صارت عليه ممارساتها وأهدافها وأولوياتها. وفيه، أيضًا، النظر الى كافة مواقفها وتموضعاتها، ايًا كانت الأسباب والظروف، كشانٍ مُصيب دون أيّ موقف أو نظرة نقديّة تقييميّة. وفيه، أيضًا وأيضًا، انّ الجمال السياسيّ، والاستقامة الممارساتيّة، وُجدا لديها دون غيرها من الجهات.

هذا معناه، انّ في التحزّب ما يدفع الشخص الى تجميد تفاعله التقييميّ مع مواقف الجهة التي ينتمي إليها، أو يواليها، مهما بلغت المتغيّرات حوله، مُقفِلًا على ذاته خيار أن يكون في موقِعٍ مختلف، أو خارج حيث هوَ، أو في مكانٍ متمايزٍ بشأنٍ أو قضيّة، هو تحزُّبٌ يتغرّب به عن مُنطلقاته. ففي تجميد التفاعل هذا، وغياب التقييم المتواتر، يصعب أن يكون المؤمن في المكان المتوافق ورؤيته الايمانيّة، لأن المنطلقات الايمانيّة لأيّ حضورٍ في الشأن الأرضيّ انجيليّة ثابتة، أمّا الظروف، التي في ظلّها وعليها تُبنى الترجمة، فَدائمًا هي متغيّرة.

فتمايز المؤمن بالانتماء السياسيّ يكمن في أن يتحلَّى  بعيونٍ مُنفتحة على ممارسة الكلّ، وآذانٍ صاغية لخطاب الكلّ، والقدرة على التحرّر، لحظة يشاء، على تقييم موقِعه في كلّ لحظةٍ وطنيةٍ تقتضي ذلك، ارتكازًا الى ما توحي له به منطلقاته وليسَ الى ما يتوافق وموقف فريقه السياسيّ المُعتاد في اللحظة هذه.

ويبقى الأهمّ،

نحنُ، كمؤمنين، نبقى في موقعٍ نقديّ لكلّ نظامٍ أرضيّ يُنتجِه فكرٌ بشريّ. في موقعٍ نقديّ لكلّ حزبٍ وفكرٍ وزعيم. نظامُنا المرتجى هو الملكوت، وانتماؤنا إلى يسوع المسيح هو أجملُ من كل انتماءٍ آخر، واخلاصُنا لفكر الانجيل يغنينا عن الاخلاص لأحد أو لفكر آخر. فليسَ من زعيمٍ يُضاهي مسيحنا جمالًا، وليسَ من خطٍّ يضاهي خطوط أحبّائه سحرًا. فلنترك الكلّ مشغولًا بذاته ونبحث عن الهنا حيث يجب، وحيث نجده اللحظة هذه، كلّ بوسيلته، في صراخِ الناس أصحاب هذه الخطوط المموّلةِ من الوجع دون غيره.

 

 

 

 

المشاركات الشائعة