ذكرى انتقال كوستي بندلي

رينيه أنطون - 2018


يعتقد كثيرون أنَّ مكانَته تنبَع ممّا خصَّه الله به من علمٍ وفكرٍ متَّقد وقدرات، ومنها، القدرة على صوغ اللاهوت، وأصعب العلوم، بأبسط لغة وأسلوب.

أقلق من حَصرِ كوستي بندلي بكونه قامةً فكريّة علميّة. فكوستي يختلف، أرحَب بكثير. مَن عرَفَه وعايشَه، قُربًا، أدركَ وتحسّسَ أنَّ شأنًا واحدًا شغلَه، دون غيره، هو شأن الله وقضيته في الأرض. وهذا ما يجعله أرحَب.

هذا نَبَعَ لديه مِن وَلَعٍ شخصيّ، يندر، بيسوع المسيح، رفيق الصيّادين، وبمَسار تجسّده وفدائه ومحبّته التي لا ثمن لها. والولعُ هذا هو ما صار  بالانجيل الحاضرَ الأكبر فيه وخارطةَ طريقه الى العلمِ الخادِم. لم يهتمّ كوستي بندلي بالعلمِ إلا كخادمٍ للانسانية في سعيها الى اللامتناهٍ، الى غرفِ المزيد من الحقيقة الالهية والخلاص. كلُّ ما كتَبه واجتهَد فيه إنما كانَ كتابٌ واحد هو "السبلُ الى الله"، كتَبَه بلغات تتفاوت ما بين لغة الفلسفة والتربية وعلم النفس والانسانيات واللاهوت، وهذا بهدف أن يقترب العلماء والبسطاء، معًا، من الله. وكلّ ما استرسل فيه دفاعًا عن مقاربته العلمية لهذا الجانب وذاك لا ينفصل عن صراخِه، في اللقاءات والاجتماعات، بوجه ما  يشوّه المسيح وشرحًا لانجيله ورفضًا لما يعتري كنيسته وتعريةً للظلم ودفاعًا عن "اخوته الصغار". فالشخوصُ الى العلم، واغناء الفكر، ما كان غايةً لديه بل تلبيةً لتكليفٍ باستثمار ما أُغدِق عليه من وزنات في لفتِ الابداع الانساني الى الحضور الالهي فيه. ولعلَ تعميدَه، المذهل، للنظرية العلميّة للتكوين بهذا الحضور الالهيّ، الخفر، فيها وادراجه تطوّر الكون في سياق احترام الله لحرّيته، يُفسّر لنا هذا التكليف.

لم يكن من ألِفٍ وياء لدى كوستي بندلي غير الله. شغَله وحيدًا. شغلَه ما يجعله إبنًا، متألّقًا، له في الأرض. لهذا رأيناه لا يتراخى بالتزامٍ ليتورجيّ، أو صوميّ، أو كنسيّ، أو حركيّ، لا بل لا يتراخى بلحظة وقتٍ من لحظات العمر أو يلهو عنها. هذا لأنه ما رجَى غير أن يكون رسولًا، وهو الفاهم أن شأنَ الرسل أن يتمّموا تكليفَهم قبل أن يسبقهم الرقاد..

كوستي يختلف لأنه ليسَ مفكّرًا بل إبنًا رسولًا. تكليفُه، رسالته، كانت أن ينتصب أمامنا قامةً في عُشقِه، منها تنبعث قاماتٍ في الشهادة لمحبّته وعدله. قاماتٍ تُعجَن بما يزيد هذه الشهادة مَدًّا وتأثيرًا و سحرًا للنفوس، أكانَ علمًا أم فكرًا أم صُدقًا أم ارشادًا أم تعليمًا أم احتضانًا أم تواضُعًا. كوستي كان تلكَ القامة، وتلك القامات المُنبَعثة منها، في آن.

تلاميذُه، إن شاءوا هذه الهوية، هم سُعاة الى اقتناء ما اقتناه من عُشقٍ أولًا.

 

المشاركات الشائعة