حديث في مؤتمـــر مركــز طرابلـس 2018

رينيه أنطون

بعنوان: الوضع الكنسيّ ودور حركة الشبيبة الأرثوذكسية    


حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة

إن شئنا مقاربة هذا الموضوع بشكل جدّي وعميق أنطلق ممّا يوحي به العنوان من تساؤل أساسيّ هو: هل أن دور الحركة هو دور متحرّك خاضع للظروف والأوضاع الكنسية والاجتماعية المحيطة بها في كلّ مرحلة من مراحل تاريخها ويخضع لمتطلّبات هذه الظروف، أم هو دور ثابت لكونه مولودًا من هويتها الثابتة؟ علمًا أنني أتحدّث هنا عن الدور، المهّمة، وليس عن سبل تظهيره وممارسته. ولأن الجواب بثبات هذا الدور واضح يبقى من الضروري أن نوضح ماهية الحركـة، ما هي هويتها وغاية وجودها لنستكشف أي دور، دائم، لها.

هذا التساؤل عن هوية الحركة ليس تساؤلاً ساذجًا، وفي الواقع فإن جوابَه ليسَ من المسلّمات، بمعنى أنَ ما اختبرته من حياة الحركة خلال مسؤوليتي الطويلة، إضافةً الى حجم حضور التاريخ (الزمن- 77 سنة) في حياتها وتأثيره فيها، وكذلك المشهد العام للحياة الحركية اليوم بما فيه من أولويات واهتمامات وانشغالات، كلّها أمور تقودني الى القلق من أن تغيب هويّة الحركة في تفاصيل الممارسة اليومية، ومن أن تصير هذه الممارسة، شيئًا فشيئًا، ومعها بالطبع كلّ الأشكال والأطر القائمة، هي هويّةُ الحركة في ضمائر شبابها اليوم.

إنَ هذا الأمر هو ما دفعنا منذ سنوات الى اطلاق ما أسميناه ورشة الهويّة النهضوية والفرق المركزية، هذا بهدف أن نحضرَ دائمًا بالهدف الأساس الى الحياة الحركية  اليومية والضمائر. هنا يجب أن أوضح أنني لا أقول أن كلّ ما في الممارسة الحركية اليوم لا يجسّد أو يعكس هويّة الحركة. فبالتأكيد أن فيها ما يجسّد هذه الهويّة وفيها ما لا يجسّد، وإنّما  كيّ لا يقودنا التاريخ الى موقع أو هويّة بعيدة عمّا شاءه الروح للحركـة، عبر المؤسّسين، وجب علينا دائمًا التذكير بالرؤية أو المحبّة الأولى، بالأساس الذي منه انطلقت الحركة وانطلقنا فيها. وهذا ليس خروجًا عن الموضوع  المطلوب وإنّما توضيح للمنطلق الذي منه يجب أن ننطلق الى مقاربة كلّ الأمور ومنها الوضع الكنسيّ.

إن عُدنا إلى التراث الحركيّ المكتوب، كلّ التراث،  الذي يعرّف الحركة، أكان كتابات المؤسسين والجيل الأول وتأمّلاتهم، أو كلمات أعياد الحركة، أو تقارير الأمناء العامّين (الغير تنفيذية)، أو تقارير رؤساء المراكز، أو كتابات الأخوة في مجلة النور، يبرز لدينا، وبوضوح، تعريف الحركة بالشكل الذي اختصره وأصيغه بالتالي :

حركة الشبيبة الأرثوذكسية هي حالة كنسية تنوجد، بأصالة هويتها، وقتَ نعي نحن، الجماعة الحركية، أن الله "أحبّنا أولاً" هذا الحبّ اللامحدود، وأننا مولودون من حبّه، منه، من كنيسته، من جسده ودمه الذَين بهما نتغذّى. فتصير قبلتنا وغايتنا أن نقبل حبّه الخلاصيّ ونبادله التزامًا إيّاه في حالة تعاضدية شركويّة تنمّينا أشخاصًا وجماعة في معرفته وعيش حياة كنيسته والانجيل والصلاة وتقوّينا في مواجهة الضعفات الشخصية ومحاربة الخطيئة وتساعدنا على أن نقتني فكره ورؤيته في كلّ شأن حياتيّ لنلتصق به ونلتزم  كلّ ما يخصّه في الحياة والكون بدءاً من حياة كنيسته، ولا شيء لا يخصّه. هذا لنجعل من الموت عتبة عبورٍ الى وجهه، عتبة خلاص.

هذا التعريف، في رؤيتنا، والذي هو على الرجاء، ليس خاصيّة الحركة وانما هو خاصية الكنيسة كلّها في مرتجاها. إن مسعى الحركة هو لأن تكون تعبيرًا نموذجيًا عن هذه الخاصّية الكنسية، ولذلك نحن نقول أن الحركة هي إبنة الكنيسة، هي، على الرجاء، الكنيسة في مرتجاها.

إذاً الحركة ليست حالةً أو مؤسّسةً قائمةً بذاتها وتأتي من ذاتها. وليست هي مؤسسةٌ إزاء المؤسسة الكنسيّة، منافسة لها. الحركة لا تبدأ من الحركة وتنتهي بالحركة. هي تبدأ من الكنيسة لأنها تبدأ من رأس الكنيسة، يسوع المسيح، وتنتهي في مداها. من هنا يصحّ القول أنّ كلّ الأطر والنظم والأسر والانشطة وغيرها إن وجدت في الحركة فانما ليسَ من أجل أن تكون مقفلة ويصير الانشغال في خدمتها هو الغاية، وليسَت هي ما يختصر هوية الحركة، وإنما وجدت لتكون قناةً فيها تصّب هذه الهوية وتتجلّى. وجدت  لتكون، للحركيين، ساحة ترجمة لهذا الوعي وهذه الرؤية وورشةَ بناء للشخص فيهما. فحين تتخطّى هذه المكانة ويسود الانشغال فيها وبأشكالها ومتطلّباتها على هواجسنا وعقولنا وقلوبنا وأوقاتنا تصير هي السلاح الذي به نحارِب، نحن، هويتنا وننحرف عن استقامة التزامنا. وهذا الأمر قد يكون بعضَ حالنا اليوم في بعض الأماكن.

وللتأكيد على وجود هذا الخطر أطرح أمثلة بسيطة عن الفارق ما بين أن نكون في خدمة الشكل النظاميّ والحدّة المؤسساتية وبين أن تكون هذه ساحة ترجمة للهوية وورشة:

أولاً، الفرقة الحركيّة. في رؤيتنا التأسيسية لها وُجدت الفرقة لتكون وحدة، مختبر، صلاة ودراسة وعيش وشهادة رُبنى على ركيزة  مرشد  متأثّر ومؤثّر ومعلّم ، والتعبير مجازي لأن الركن والأساس هو يسوع المسيح. اذًا الفرقة بحدّ ذاتها ليست غاية بل إطار، هذه سماته، للبناء في الرؤية النهضوية. فكم وكم من فرقنا الحركية اليوم تلتقي مرّة في الأسبوع أو في الأسبوعين دون أي تواصل بين أعضائها خارج الاجتماع ففقدت كونها هذا المختبر؟ وكم وكم من الفرق فقدت هذا المرشد؟ ومع ذلك كم وكم ننشغل بتلبية متطلبات شكل الفرقة ونضحّي بجوهرها دون أن نبحث عمّا يلبّي الجوهر وإن بشكل آخر.

ثانيًا، كلّ وجوه العمل الاجتماعي. وهي في رؤيتنا ساحة لتدرّبنا نحن الحركيين على فعل المحبّة وتعبيرنا عنه، ولتربية بعضنا البعض على التخلّي والتحرّر من الأنا كي نقترب من الربّ. فإذا كانت هذه الوجوه، اليوم، تحمل هذه السمات، تكون، فعلاً، في خدمة الرؤية. أما اذا أمست نشاطًا منسيًّا من الشريحة الحركيّة الأوسع، مُلزَّمًة، يُحصر الاهتمام بها بعدد محدود جدًا من الحركيين الذين نكلّفهم  بمتابعها والبحث عن سبل ومصادر تمويلها من خارج الحركة وما الى ذلك، صارت بذلك بعيدةً عن غايتها شاغلةً لنا عن الأساس.

المثل الثالث، المال والتعامل معه. كلنا يعلم كيفَ هو تعاملنا، فروعًا ومراكز وأسر بهذا الموضوع. لا يختلف الأمر عن تعامل سائر المؤسسات والناس معه. "نملك وكأننا نملك" ويتشبّث كلّ منّا بما له. باختصار حين لا نرمي المال الذي بين أيدينا تحت أقدام الأولويات التي تخصّ أيًا كان من الشريحة ، أيّ تحت أقدام ما هو أشدً ضرورةً، نكون حينها في ذروة المأسسة المقفلة على الروح.

هذا التهديد الجدّي لهويتنا لحظته الحركة منذ عقود، وكلّما تقدّمت الحركة في العمر زادَ خطر تفاقمه. وكنّا قد أشرنا أليه في رسالة وجّههنا الى المجمع المقدّس في العام 2004  شارك في كتابتها مجموعة من الأخوة ووافقت عليها الأمانة العامة حينها، وقد جاء فيها:

"وضعت الحركة، منذ نشأتها، نصب عينيها خطر غلبة المؤسّسة والتنظيم على التيّار. فلئن كان التنظيم ضروريّاً وجوهره استجابة لدعوة الروح الفاعل في الزمن والتاريخ، إلاّ أنّه قد ينحرف إلى ضدّه فتبتلع البنى التنظيميّة نفحة الروح المحرّكة وتطمسها. نحن، في الحركة، لم نغفل عن سقطات تعرّضنا لها على هذا الصعيد، جادّين بصدق في تخطّيها. فأعدنا النظر، غير مرّة، في التنظيم الحركيّ بغية تحصينه في وجه هذه الآفة. إنّ الحركة ليس لها أن تكون مؤسّسةً خارج الكنيسة أو في موازاتها، بل هي حركة من الكنيسة وفيها ولها. وهذا ثابت في ما قالته الحركة وكتبته في غير موضع."

كذلك فإن المطران جورج خضر ومنذ العام  1967 أشار الى هذا الخطر (أنظر الصفحة الأخيرة)[2].

توسّعت في هذا التوضيح لهوية الحركة لأبيّن أن مقاربتنا للوضع الكنسيّ من منطلق كوننا حركة، حالة  كنسية، يُرتجى أن تعمّ، يختلف عن مقاربتنا له من كوننا مؤسّسة لها أنظمتها وأطرها وقوانينها وعملها. إن مقاربتنا له من منطلق كوننا جماعة تعتبر أن "نفوذها" وقوّتها تستمدّه من معالم تربيتها في الأشخاص وتألّق أعضاءها في الالتزام والحضور الكنسيّ تختلف عن مقاربة جماعة تعتبر أن نفوذها تستمدّه مما يَستمدّ كلُّ من في الدنيا نفوذَه.


الوضع الكنسيّ والرعائي

هذا من جهة الحركة. أما من جِهة الكنيسة ولأكون واضحًا منذ البداية،  فإن الممارسة "المؤسساتية" الكنسية في مشهدها العام عبر التاريخ الحركيّ الطويل، وعدا الاستثناءات، لم تتبنَّ  برأيي هذا المفهوم للحركة ولم تتعهّد الحركة كإبنة. وباختصار فإن الأسباب ترتكز إلى خلفيتين: خلفية التحكّم والسلطة من جهة، وخلفية أخطائِنا الحركية من جهة أخرى. وبتقديري إنَ بعض واقعنا اليوم هنا أو هناك، وكذلك لربّما عدم قراءتنا الجدّية للمتغيرات الكبيرة في الكنيسة، قد يزيدان هذا الأمر رسوخًا. أمَا لجهة المشهد الكنسيّ، ولئن كانت الأوضاع الكنسية اليوم تُختَصر بكلمة أوضاع "مأزومة" جدًا على أصعدة عديدة، وهذا ما سأعود اليه لاحقًا، فإن هذا لا يغيّب إيجابيات كبيرة في هذا المشهد بغضّ النظر عن عجز "النظام الكنسيّ- الـ System" عن تثمير هذه الايجابيات ومدّ تأثيرها في حياة الكنيسة كلّها. وإذا شئنا، بموضوعية، أن نتخطّى ما في كلّ منّا من ضعف وطباع، وأن نأخذ بعين الاعتبار تمايز السمات بين شخص وآخر، فإنّ الاطلالة على الوضع الكنسي من النافذة الايجابية تُوجز لنا ما يلي، وبالطبع بغاية وصف المشهد بأمانة وليسَ، لا سمح الله، بغاية تقييم أحد.  

· غبطة البطريرك يوحنّا العاشر هو شخصٌ تبتَّل ليسوع المسيح تأثّرًا بتربية إيمانية و بمعلّم، ومحيط حركيّ، كبير. هو معلّم ومؤسّس لرهبنة منفتحة. لا يتأثّر بضغوط ولا يساوم على الكنيسة. يغار على بهائها ووحدتها ويؤكّد حرصه على السير بها الى هذا البهاء. لم ينقطع تماسه يومًا بالحياة الحركية واهتمامه بها، ويحرص على هذا التماس وعلى التعبير عن رعايته الدائمة لها.

· في السنوات الأخيرة، وحتّى اللحظة، لم نرَ مطارنة على غير قلب الله يُنتَخبون لرعاية الأبرشيات، وكذلك الشريحة الأكبر من الكهنة.

· نلحظ حضورًا لحيويةٍ كنسية وسط بعض الظروف والاماكن. لا نستطيع ان نتجاهل، مثلاً، الحضور الكبير لمكتب التنمية البطريركية خلال الحرب السورية  والذي قام بعمل جبّار بغضّ النظر عن تقصيرٍ هنا أو نقدٍ هناك وما الى ذلك.

· كما نلحظ انعقاد لقاءات شبابية بمشاركة مُلفتة، أكان على الصعيد البطريركيّ أم على صعيد الأبرشيات الخ...

أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو: لماذا لا تنعكس هذه الايجابيات على الحياة المجمعية وتحرّك جمود المشهد الكنسيّ وتساهم في حلّ تأزّماته بكليته؟ لربّما يكون الجواب بالنسبة لي واضحًا وهو الروح الفردية المترافقة مع ضبابية المسافة بين حدود الكنيسة المحلّية وباب المجمعية والوحدة. كيفَ لنا أن كيف نكون كنيسة محلّية كاملة وكنيسة أنطاكية واحدة في آن؟ إنه تساؤل صار كبيرًا في ظلّ الأوضاع والممارسة الكنسية اليوم ويقتضي اعلانًا واضحًا ومقاربةً جدّيهً لأن استمرار الأمور على ما هي عليه قد يأخذ الكنيسة الى حافّة خطرة.

إذا عطفنا هذا الصعيد، بغض النظر عن تفاصيله، على أزمة الكنيسة الأوكرانية والعالم الأرثوذكسي اليوم وما يمكن أن يحمله المستقبل لهذه الأزمة، أرى أنً كنيستنا مأزومة على مستوى الوحدة وتحتاج الى أن تكبر فيها الشرائح الوحدوية ويمتدّ فيها وضوح الرؤية. فالخوف من بعضنا البعض، الخوف من كلّ مطلّ وحدوي بدل الشغف بالتكامل به هو ما أراه يسود اليوم، وبتقديري أن هذا الخوف وعدم معالجته بمدّ المفاهيم المستقيمة الواضحة في حياة الكنيسة  هو ما يعطّل مسار تحريك الحياة الكنسية نحو الأفضل.

إن أزمات كنيستنا لا تُحصر بهذا الصعيد إذ يُضاف اليه ما يتعلّق بالخطاب الكنسيّ في عالم اليوم، بالشباب وغربته، بالحياة والاصلاح الليتورجي، بتفاقم الطلاق وضعف الرعاية، بغياب المشاركة وإغفال الالتزام بالقوانين الكنسية والرعائية، ببهتان الحضور المجتمعي الشاهد في أكثر من مكان وصعيد. ولعلّ أهمّ ما يهدّد كنيستنا اليوم هو غياب الضوابط على  واستسهال عدم الطاعة فيها.  كهنةٌ يصطفّون في وجه أبنائهم ويستسهلون عدم طاعة أسقفهم بشكل انفعاليّ وعلى خلفية قضية الأرشمندريت بندلايمون فرح. وإذ ذكرتم بالأمس ما يتعلّق بهذا الموضوع، خصوصًا عبر السؤال الذي وجّهه الأخ غسان عبيد  الى راعي الأبرشية، دعوني  أوضح لكم أمرين: الأول، إن فقدت كنيستنا مكانة الطاعة فيها، طاعة الجماعة من خلال طاعة الأسقف (المرجوّ دائمًا على قلب الله)، فقدت ركيزةً أساسية من ركائز استقامة ثباتها في حياة العالم. والثاني حول كلّ ما يتعلّق بما يتمّ التمادي به ويتعلّق بما ورد حول الحركة في الحكم الصادر بحقّ الارشمندريت بندلايمون فرح. أؤكّد لكم، وأتحدّث من موقع المسؤول والعارف والمواكب، أن دور الحركـة، دور الأمانة العامّة، في هذه القضيّة منذ أن بدأ طرحها هنا وهناك لم يخرج يومًا عن الحرص على سمعة الكنيسة وسلام حياتها الداخلية. كونوا على ثقة أن دور حركتكم كان مُشرّفًا في الحرص على معالجة الأمور في قنواتها الكنسية المعنيّة، وبشكل مُغلق، تشبّثًا بسلام الحياة الكنسية وبهائها وبالحقّ فيها. أما كلّ ما ورد في الحكم، فيما خصَّ الحركة، فضعوه في خانة الرسائل وتسديد الحسابات، ونحن قد أجبنا عليه بشكل تفصيليّ يستعرض تعاطي الحركة بهذا الموضوع، منذ أن نشأ، ووضعنا هذه الاجابة بعهدة وتصرّف غبطة البطريرك يوحنا العاشر. وأعيد اليوم التأكيد أننا على استعداد لكيّ نسائَل في هذا الموضوع أمام المجمع الأنطاكيّ المقدّس ساعة يشاء المجمع المقدّس هذا الأمر، فكفى متاجرةً به.  أمّا ما يتعلّق ببعض تصرّفات شخصية لأخوة حركيّين في سياق ما طالهم من فعل وردود فعل فهذا شأن لا علاقة للحركة به.

أعود الى سائر الأزمات التي سبق وذكرتها، لقد طرح المؤتمر الانطاكي الذي انعقد في العام 2014 معظم هذه العناوين والحاجات، وقدّم لها مقاربات ومسارات حلول جدّية. ورغم تبنّي المجمع المقدّس لقراراته وتوصياته فقد تعطّل تنفيذ التوصيات والسير بالمسارات التي رُسمَت. فلماذا؟ الجواب، في يقيني، يعود الى ذلك الخوف الذي تحدّثت عنه وعدم وضوح الرؤى.


الحضور والدور الحركيّ

في ظلّ هذا الواقع أيّ دور للحركة؟ للجواب عن هذا السؤال بُعدَين: البُعد المُشترك الذي يقتضي العمل مع المؤسسة الكنسية وتقبّل المؤسسة لهذا الدور، والبُعد الذي يتعلّق بنا وبحياتنا. فما يعود للحركة هو:

أولاً، أن تخلع عنها الشوائب التي قد تشوّه هويتها وتوحي بأنها مؤسسة إزاء المؤسسة الأمّ وتُشغلها عن ايلاء موضوع التربية على الايمان واستقامة بهاء الحضور الالتزامي الأهمّية والأولوية التي تستحقّ. كنيستنا، يا إخوة، تحتاج أبدًا أن تُمَدّ بقامات في محبة يسوع. دعوني أوضح لكم أمرًا. لا تعتقدوا أن تأثير الحركة، المشهود، في الحياة الكنسية عبر تاريخها كان سببه "قوّةالحركة وحالتها المؤسساتية. أبدًا، هذا التأثير سببه تلك القامات، ذات الهوية النهضوية، في محبة المسيح وكنيسته والتي كان يصعب على أيّ كان مواجهتها في الحقّ، كالمطران جورج، المطران يوحنا منصور، المطران بولس بندلي، الأب الياس مرقص، الأخ البير لحام،  الأخ كوستي بندلي (قصدت ذكر الراقدين، فقط، باستثناء المطران جورج).

ثانيًا، أن نعمل بدءاً من المحلّة، على التوضيح العملي لهويّـتنا عبر الانخراط الجدّي في حياة الرعايا والتزامها.

ثالثًا، أن ندرس ونقيّم بعضنا مع بعض الواقع على صعيد الوحدة في كنيستنا بمداها الانطاكيّ والعالمي، وأن نظهّر، دراسةً وموقفًا تتجلّى فيهما الأمانة للاستقامة والحرص والتعلّق بالوحدة. هذا ليس، أبدًا، بمنطق الاصطفاف خلف هذه الرئاسة أو تلك بل لإيماننا أن هذا الزمن الفردي الانقساميّ يجرح الربّ. وهنا أثمّن مقاربة المجمع المقدس لأزمة أوكرانيا ومقاربة البيان المشترك لكنيستي انطاكية وصربيا حول الموضوع، واللذين جمعا بين الموقف الواضح الأمين للحقّ والتعلّق بالوحدة وعدم استسهال العبث بها، وبلغة جامعة.

رابعًا ، أن نلحّ ونبادر ونسائل ونساهم ونلاحق ونضجّ لأجل اطلاق الخطوات العملية لتنفيذ مقررات المؤتمر الانطاكيّ، بمعنى آخر أن يكون لنا مبادرة ومتابعة فاعلة في اطلاق حيوية كنسية هي أكثر ما تحتاج اليه كنيستنا اليوم. كنيستنا تحتاج إطلالات حيوية جامعة تخفّف من حدّة التوترات، تحتاج أن تتحرّك في حياتها الرعائية نحو الأمام. فانكفاؤنا الى الداخل الحركيّ، أو لجوءنا الى الخارج غير  الكنسيّ، لن يقدّم للربّ اليوم ما تحتاجه كنيسته.

خامسًا، أن نوضح  رؤيتنا للمبادرات الشبابية التي تقوم بها المؤسسة الكنسية. برأيي أنّ هذه الرؤية يجب أن ترتكز الى الفرح بها والمساهمة في انجاحها دون أن تحمل قلقًا على دورنا منها. علينا أن ننظر اليها كبداية تعميم لخبرة الحركة في مدى الكنيسة، وأنّ نكون جنودًا مقتحمين فاعلين في هذا التعميم طابعين إيّاه بنكهتنا وخصوصية حضورنا. فما يثبّت الحركة في مسيرتها هو فرادة تربيتها وشدّة تأثيرها وومضات فكرها في الأشخاص، وليس حصرية دورها. باعتقادي أن لا مكان لحصريةٍ لأحد بعد اليوم. علينا أن نثبت بهويّتنا النهضويّة في هذا المتغيّر وشكرًا.

يبقى أن أؤكّد لكم ختاماً ، وأيًّا كانت الومضات في حياة الحركة والضعفات، تبقى الحركة بما فيها من اخلاص الشباب لقضيّة الربّ حاجةً ملحةً لحياة الكنيسة اليوم وغدًا، فيقيني أنّ دون حضور الحركة سيكون ما يعكس جمال المسيح فيها ناقصًا.

 

 

 



 


 

المشاركات الشائعة