كلمـة - غداء جبل لبنان لدعم التبنّي المدرسيّ

رينيه أنطون - 2009


مرّة أخرى تشاءُ محبّةُ الربّ أن تجمعَنا وجوهًا، بعضًا الى بعض، في ورشة العطاء هذه. والعطاء، في كنيسة المسيح، هو سبيلُنا الأوحد إلى أن نثبتَ في هويّة الأبناء، أبناءِ التخلّي والشركة التي مدّها جسدُ إلهِنا في القلوب المرتفعة اليه يومَ تألّق، بالفداء، سيدًا للقيامة وقيصرًا للحبّ على الصليب.

نجتمعُ ونحن على رجاء أن يَثبُتَ عطاؤنا دائمًا في الربّ، حيث يكون العطاءُ تسلّقًا للجلجلة، ارتفاعًا الى قامة الفداء وليس ترفعًّا على أحد. وحيث يكون همّ المعطي همّا مولودًا من وعي زكا أن تحرّرَه من القصور عن ارتقاء الخلاص إنّما سبيله الولاء للحقِّ العابر لكلّ الحقوق والواجبات. لحقّ المساكين في أن يتجلّى حضورهُم صدارةً وشراكةً فينا لأنهم في ربّنا أولًا. بهذه الشراكة معهم نسمو ونأتي بالناصري ليقيم مائدةَ خلاصِه في نفوسنا.

بهذا الهمّ أطلقنا مشروع التبنّي المدرسي الذي نجتمع حوله اليوم. وبه أطلقنا ما سبقه من مراكز اجتماعية ولجان خدمة، وما تبعهم من هيئة طوارئ اجتماعية. وهذه، كلّها، لا نقيس نجاحَها، أو أهمّيتَها، بوفرة المستفيدين منها، وإن كثُروا وتعدّدت مناطقُهم، بل بمدى تلبيتها لما أُطلقت من أجله. وهي أُطلقت لغاية واحدة، أن ننسجَ فينا ما يُفرح الله ويُريحُه، وننسجَ في الآخر ما يُفرحه بالله ويجذبُه إليه. لذلك هي مناسبّة لأذكّرَ أنفسنَا أن خدمةَ إخوةِ الربّ "الصغار" لا تستقيم وتحقّق مِلأها ما لم تكن بابًا نلِج منه الى رعاية هؤلاء واحتضان حياتِهم وتعميدِها بالكلمة الخلاص.

هذا، دون أن أُغفلَ عمّا لمشروع التبنّي من خصوصيةِ رؤيةٍ. فبه قلنا أن للفقراء الحقُّ بالعلم، ومن خلاله الحقُّ بأن يواجهوا فقرهَم بالسلاح الأفعل، والحقُّ بالارتقاء الثقافي والاجتماعي، والحقُّ بالمساهمة الفاعلة في كلّ ما يخدم المجتمع وناسَه ويُكثر من بذور العدالة فيه. فالفَقرُ يا أحبّة، بمعاناته المتعدّدة، ليس غايةً نشدها الربّ لأبنائه، لأنّه مصدرُ الخير والفرح والجمال والراحة والاطمئنان. ربُّنا ولد بين الفقراء، وأقام معهم، وتوجّه بكتابه اليهم، ليرحَمَهم ويُغني فقرهَم بوهج حضورِه وحكمتِه ليكونوا أغنياءً بحقّ ويكونون، به، أسيادًا على كلّ غنى فارغ وكِبرياء. الربّ ينشد الخيرَ والفرحَ والراحةَ والاطمئنانَ للكلّ، ويرتجي أن نساهمَ معه، بحرّيتنا، في تحقيق إرادته، بالتخلّي وتعميم الشركة بين الناس. ينشد أن نُفرغ ما يملأ نفوسَنا من كنوزٍ ورقيّة لنُفسح مكانًا للكنز الحقيقي الأجمل والأثمن، لوجه حنانه، أن يُقيمَ فيها.

أيها الأحبّة،

شهادة على ما سبق تَحضُرُني رسالةٌ تلقيّتها منذ سنوات من أحد التلامذة المستفيدين من مشروع التبنّي المدرسي. شاء فيها، هو المتفوّق، أن يشكرَ إدارةَ المشروع على مساهمتها في تعليمه. وحمّلها التزامَه بالتمثّل بعطاء المساهمين في المشروع بعد أن لاحت أمامه آفاق التحرّر من المعاناة. وعلّها هي المناسبة اليوم لأجيبَه بالروح. الشكر لك ولكلّ من انتصب أمامنا حقلًا نُفرغ فيه أنانياتِنا لتنموَ فينا سنابلُ المحبّة وترتسمَ أمامنا تلك العتبة التي تعبر بنا خطوةً نحو الملكوت.

فعلى رجاء أن تَكثُر هذه العتبات أشكركُم، جميعًا، على دعمِكم لكلّ تطلّع شركوي سائلًا الربّ يسوع أن يحفظَكم ويهبَكم أضعافَ ما تُنفِقون على أحبّائه، لا بغاية أن تغتنوا بما لا يُغني، حقًّا، بل ليزيدَ عطاؤكم وينمو فتمتدُّ، به، بِذارُ الملكوت في الأرض أكثر فأكثر.

والسلام

  

المشاركات الشائعة