كلمـة - لقاء السيّدات جبل لبنان

رينيه أنطون -  2009


بدايةً أرجو، ونحن  نختم الأسبوع الاول من الصوم الاربعيني المقدّس، أن ينعم علينا الربّ بالقوة والقدرة  لنستمّر في هذه المسيرة المقدِّسة  لذواتنا كي نتأهّل الى الاتحاد، به، في صلبه وقيامته. وهذا سبيله، طبعًا، أن نلتفت اليه وحده، دون غيره من الأمور، فنغذّي وجوه الصلاة والشركة في حياتنا ونترفّع بذواتنا عن الأهواء والأنانيات ونساهم في التخفيف من الام  الفقراء  ونغسل نفوسنا وقلوبنا بالصفاء والسلام وروح المسامحة والغفران، لأن كلّ خصوماتنا الانسانية مهما كبرت وبلغ حجمها وأسبابها فهي، كما قال المطران جورج خضر في عظته الأحد الماضي، تمسي تافهة جدّاً  أمام عظمة المحبة المنسكبة علينا مع الدم النازف من جسد السيّد المعلّق على الصليب. 

لهذا السبب، فإن أول ما أرجوه، على هذا الصعيد، هو أن يسهّل علينا هذا الصوم  تخطّي خصوماتنا الانسانيـة وضعفاتنا الشخصية والجماعية، في كنيسة يسوع المسيح، تحديدًا،  كي لا نهزل أمام محبّة المسيح بسببها ولكونها تعكس للناس أثر الدنيا فينا وفي وجه كنيستنا التاريخي، أيّ  أثر ابتعادنا عن الله وسمائه. وهذا ما يشكّك الناس في صدقية ايماننا والتزامنا بالربّ. فلعلّنا نخطو، في هذه الفترة، الخطوة الأساس نحو نقض هذا التأثير، المتفاقم اليوم والنافر، ونقود كنيستنا الى جعلها أكثر التصاقًا بحقيقتها الملكوتية ليكون وجهها وجهًا معمّدًا للعالم، مؤثّرًا فيه، غير مأخوذ به.


الحركة ورؤيتها

يا إخوة، في بداية وعيي الحركيّ لفتني كلام للمطران جورج كنت أراه معلّقًا إلى حائط بيت الحركة، يقول: "الحركة هي كلّنا إن تناسينا أنفسنا وتبعنا المسيح". هذا الكلام، إذا تأمّلنا فيه قليلاً، نراه يختصر الجواب على كلّ الاسئلة المتعلّقة بدور الحركة وغاية وجودها ومرجوّاتنا الحركية من أية أسرة من الأسر، كما يجيب عن الأساس الذي نرتكز عليه في رؤيتنا لمفهوم العمل النهضوي ووحدته، ويكشف لنا آفاق الرؤية الحركية، خصوصاً وأن قائله هو أب العائلة الحركية.

أول ما يدلّنا اليه هذا الكلام هو أن صاحب القضية النهضوية هو يسوع المسيح دون أحد غيره. وأن الحركيين، حميعاً، قياديين كانوا أم  أعضاء، بمن فيهم المؤسّسين الذين استحالت هياكلهم قنوات عبور للروح في كنيسة أنطاكية، ومن حفر التزامه وأفكاره وارشاده أسساً عميقة في حياة الحركة وشبابها، هم عمّال حقل الربّ الحركيّ هذا وليسوا بمالكيه. 

ويدلّنا، ثانيًا، إلى أن الانتماء الى حركة الشبيبة الأرثوذكسية هو أسمى، في عمقه وحقيقته، من أن يكون انتماءً الى جماعة بشرية، أياً كان ما تتحلّى به أو تُطبع فيه، ومن أن يكون انتماء الى فكر أحد أو جماعة أحد، لأنه انتماء الى قضية المحبّة التي أعلنها لنا يسوع المسيح بالفداء.

وثالثاً، يدلّنا إلى أن هدف هذا الانتماء لا يمكن أن يكون إلا واحدًا وثابتًا لا يخضع، لأيّ سبب أو ظرف، الى اجتهادات ومتغيّرات لأنّ منطلقه وغايته ومِلأه هو الاله الواحد الذي لا  يتغيّر. 

هذا ما أختصره  بالقول أن  كلّ شخص في الحركة، أياً كان جيله أو ميزاته  أو "مواهبه" أو خصوصياته الناشئة من وضع عمري أو اجتماعي، وأيّا كان الزمان الحركيّ الذي يعيشه، فإنّه ينتمي الى هذه القضية التي دلّنا اليها وحملها أمامنا وكشف لنا آفاقها الايمانية والشهادية وفرح الخلاص بالتزامها جورج خضر وكوستي بندلي والياس مرقص والبير لحام  وغيرهم ممن استحقّ معهم، على مرّ سنين النهضة،  أن يُدعى تلميذاً ليسوع المسيح.

 خلاصة هذه الآفاق –  الرؤية التي كُشفت لنا تقول أننا مدعوون الى التجاوب مع محبّة "من أحبّنا أولًا"  فنُجبل بها لنمدّهـا على مدى الكنيسة، ونبني بأجسادنا وفكرنا وضمائرنا وقلوبنا، أي كياننا الانساني كلّه، واحة لها في العالم، فنخلص نحن ويخلص العالم. وهذا مدخله أن نعي أن الله هو الكلّ في الكلّ وأن خلاصنا قائم به وفيه،  فنصير به محور حياتنا وأساسها، ونصير نحن خاصّته ونعلن صوته وارادته. ولكون ما من  وعي دون معرفة  باتت معرفة الله والبحث عن فعله وتأثيره في التاريخ همّنا. ولأن الله خاطبنا بالتجسّد بات الطريق الى معرفته يمرّ، حكماً، بعشرته في الكتاب والأسرار والصلاة ووجوه العيش والحياة.  ولهذا نسعى الى التماهي بشركة الثالوث وتمايزه ووحدته واقتناء فضائل المسيح وفكره بهدف أن نطبع الحياة بنوره وننظر الى وجوهها بعينيه ونحكم عليها بمنظاره. وفي سعينا الى كلّ هذا نغذّي أنفسنا وسعينا الوحدوي ونصون ضعفاتنا بجسد الربّ ودمه الذي نغرفه من الكأس المقدّسة الواحدة وحياة الجماعة والشركـة.

طبعاً لا أدّعي، هنا، أننا جميعاً، كحركيين، نمتلك هذه الرؤية أو أنها تتحقق فينا جميعاً. لكننّي أؤكّد أننا موجودون في الحركـة على هذا الرجاء رغم ما فينا من ضعفات. فالحركـة ما عرفناها سوى ورشة سعي يغذّيها الاخلاص للربّ. ولهذا فإن كلّ الترجمات والأطر والأسر والأنشطة والتعابير الوحدوية الحركية، في المدى المحلّي والانطاكيّ، ما وجدت إلا بهدف المساهمة في  كشف هذه الافاق - الرؤية للشخص والجماعة وتسهيل سعيهما اليها واقترابهما منها وملامستها.


الأجيال والسيّدات والعائلات

ليس همّي مما قدّمته  أن أختصر لكم رؤية الحركة التي لا أشكّ، أبداً، بأن معظمكم يعرفها، بل أن أذكّر بها لأبيّن، من خلالها أمرين أساسيين:

الأول، أن القضية الحركية ليست شأناً  تُحصر مفاعيله الخلاصية بجيل حركيّ  أو شريحة دون أخرى. ولا تشكّل، كما لايجب أن تشكّل، هاجساً لجيل حركيّ دون جيل آخر أو موضع اهتمام جيل دون آخر.  وأن خصوصية التوجّه الحركيّ الى الشباب التي كثيراً ما جرى الحديث عنها، وحصر البعض مهمّة الحركة بها، فإنما لا تعود أسبابه الى كون الحركة لا تملك ما تخاطب به غير الشباب وإلى أن رؤيتها لا تعني كلّ انسان وترجو منه ما ترجوه من الكلّ، وإنّما إلى قراءة خاطئة بُنيت من وحي ما عكسه الواقع الحركي في فترة من تاريخه من ثقل الهويّة الشبابية فيه، وما قد يكون أوحى به، أحياناً، الأدب الحركيّ. فتجاهلت هذه القراءة الأسباب العملية لنشوء هذا الواقع، وهي حاجاتية وموضوعية وتاريخية، وأضفت عليه بُعداً  عميقاً  و"لا هوتيا" في غير محلّه.   

لهذا كتب المطران جورج منذ نحو 50 سنة ما معناه  أن تعريف الحركة بحركة شبيبة هو تعريف وصفي وطارئ وليس لاهوتيّ، جوهريّ. هذا لأن الحركة حركة اصلاح للكنيسة بمعنى انها تخطو بالكنيسة خطوة الى الأمام لأنها توعي المؤمنين على دورهم فيها، والكنيسة  تضمّ جميع الأجيال والتعليم يُعطى للجميع اطفال وشباب وكهول وشيوخ وذكور واناث ورجال وسيّدات وما إلى ذلك. 

حقيقة الأمر، في منظاري، أن الثقل الشبابي في الحركـة انما كان امتداد للنبض النهضوي الذي وجد كرفض لواقع كنسّي اتسمّ "بالكهولة" في فترة طويلة من تاريخ كنيستنا الى حين أن أتت الحركة وحررتها منه. وهذا ليس للتبجّح به بل للأمانة للحقيقة والتاريخ. ولا أقصد التقليل من أهمية الحضور الشبابي ومركزيته، المطلوبة، في كل ميادين العمل الحركيّ نظرًا لما يطبع به جيل الشباب عمل الحركة من حيوية وقدرات تغييرية وتحرّك ناشط.

ارتكازاً على هذا الأساس أطلّ على موضوع السيّدات والتزامهنّ الكنسيّ لأقول أن من الخطأ أن ننطلق في بناء خصوصية تنظيمية لهنّ، تفصل إطار شهادتهنّ عن سائر الأطر والآليات بناء على  وهم، على خصوصية دور ووجود، نخترعه بسبب أن الخبرة الحركية بهذه الأسرة  هي خبرة ضعيفة أو غير رائدة. 

 فعلى هذا الصعيد دعوني أذكّر أن الصعوبات الحركية ذات العلاقة باستقرار الأشخاص و الأجيال الحركية في التزامهم الحركيّ وفعاليتهم في حياة الجماعة لم تقودنا، يوماً، الى البحث عن أطر وآليات خاصّة. هذا ليس بسبب قدسية أيّ إطار أو آلية، وإنما بسبب قناعتنا واختبارنا أن الفرقة الحركية، المندرجة في إطار الأسرة الحركية، التي بدورها مندرجة في إطار الجماعة الحركية ولها تمثيلها ودورها في الأطر القيادية لهذا الجماعة، هي الخبرة الأمثل والأفعل الى اليوم.

ولتأكيد على هذا الأمر أذكّر، أيضًا، بأن خبرة الحركة مع أسرة العائلات، التي باتت اليوم تشارك الأسر الشبابية كونها عصب الحياة الحركية في كثير من المراكز، هي أيضًا خبرة غير رائدة. والصعوبات التي اختصّت بهذه الأسرة طالت فترة طويلة لكنّ الحلّ لم يكن يوماً في ايجاد الية خاصّة بها. فهي اليوم تستقرّ، كغيرها من الأسر، رغم ما نذكره من حدّة الطروحات والاراء والنقاش التي احتلّت مساحة كبيرة من عمل القيادة الحركية.

كما أذكّر أن ليس بالضرورة أن يكون منشأ الخبرة الحركية في هذا المكان هو ما اختبرته الحركة هنا. فقد تسبق خبرة الحركة في شأن ما ومكان ما خبرتها في مكان آخر، بحيث يمكن لنا الاستفادة من هذه الخبرة حيث نحن.  هذا لأن الحركة، في "لاهوتها" ورؤيتها وحياتها هي حركة واحدة في المدى الانطاكيّ، ولم يستطع أمر أن ينزع عنها هذه الهوية الواحدة.  فأنا أذكر، مثلًا، فرقـة سيّدات، في فرعي، كانت تجتمع بانتظام لم تعرفه فرقة حركيـة كلّ يوم خميس بعد الظهر حول الاب بولس بندلي في بيت الحركة، وأعرف أن منشأ أحد الفروع الحركية في مركز طرابلس كان عبر فرقـة سيّدات أخرى، كانت  تجتمع أيضاً بانتظام حول نفس المرشد. 

هذه الفرقـة المنظّمة في فرعي، تحلّت بتأثير ووجود ملحوظين في حياة الحركة والرعية. مثالًا، كانت تُسأل عن تنظيم الانشطة الخاصة بتمويل العمل الاجتماعي كالمعارض وحملات التبرعات وتنظيم  موائد المحبّة المواكِبة لاحتفالات عيد الحركة. وكانت ملتصقة بالحياة الحركية الداخلية واللقاءات التي تجمع الفرع مع بقية الفروع  والمراكز.

أضف الى هذا  ما كان يفرضه وجود السيدات في بيت الحركـة وفي اللقاءات والاجتماعات، وسط الشباب، من أجواء رشد وجدّية، وما عكسه لنا هذا الأمر من كون هذه المسيرة ليست، بالنسبة لنا، مسيرة مرحلية. وأيضًا، لدينا، اليوم، فرق سيدات في بعض المراكز نشأ كلّ منها لسبب أو  لظرف، ولا آليات تنظيمية خاصة بها ولا شأن يعيق التزامها الكامل. ومن أسباب نشوء بعضها، مثلاً، عدم امكانية التزام السيدة وزوجها في الاجتماعات في الوقت ذاته بسبب المسؤوليات العائلية والحياتية.

فالمطلوب هو، فقط، أن تحظى هذه الفرق بالمرشد المؤهّل، مثلها مثل بقية الفرق،  لإن استقرار أي فرقة حركية هو رهن بأهلية مرشدها وقدرته على الحضور في حياة أعضائها واستنباط الية التعامل والارشاد والتعليم المناسبة لها. 

ما أريد التشديد عليه أن هذا الانتماء الالتزامي للسيّدة المؤمنة هو توجّه طبيعي، مثله مثل توجّه أيّ من الرجال والفتيات والشباب، للسير في طريق الخلاص وسط جماعـة تحتضنها وترعى ضعفاتها وتدعم جهادها وتكتشف مواهبها وتقدّم لها فسحة تعمل فيها  هذه المواهب وتتناغم مع أخرى في ورشة الربّ وتنمّي لديها الوعي لأبعاد

التزامها الكنسيّ الانطاكية والعالمية.كما أن هذا الانتماء يلبّي حاجة الحركة، كجماعة، الى الحضور الراشد في وسطها والذي يطبع حياتها بالحكمة والاستقرار والتكامل. والأهمّ أن هذا الانتماء ينعكس، حتماً، حضوراً التزاميّاً بات مفتقداً وسط أكثر المنازل والعائلات. ولا بدّ أن يكون لهذا الحضور، في زمن يُطبع باستقالة الأهل من الحضور في حياة أبنائهم، دوراً مساعداً في التربية على الالتزام لأننا جميعاً نعي حجم تأثير الأم والجدة والسيدة، عموماً، بالأبناء والأحفاد.


 الحضور الرعائي و"الكنيسة والحركة"

الثاني الذي تبيّنه خلاصة رؤيتنا الحركية  هو  أن ما من  فرق بين رؤية الكنيسة ورؤية الحركة. فالقديس غوريغوريوس بالاماس يصف الكنيسة بشركة التألّه. وهذا ما لا يتحقّق بغير أن تتحرّك الجماعة الكنسية نحو أن تلتصق بالهها. والحركة، في رؤيتها وحياتها ليست بغير مبادرة تحريكية لأبناء الكنيسة نحو الربّ. وهذا يؤكّده ما ولّده حضورها في تاريخ الكنيسة الانطاكية والى اليوم، من ثمار . "فالحركة بغير الكنيسة فراغ. الأنا في الكنيسة هو المسيح والأنا في الحركة هو الكنيسة" يقول المطران جورج.

   صحيح أن الواقع الكنسي والرعائي لا يعكس هذا التطابق في كلّ الأمكنة. غير أن هذا لا يغيّر في الأساس أمراً، لأن  أسباب هذا الأمر هي ، بكلمات، الضعفات الانسانيـة. ونحن لا نبني على أساس الضعفات بل على أساس الكشف الالهي لنا.  هذه الضعفات لدى المعنيين، أيّاً كانوا، هي ما يغيّب الوجه الوحدوي للعمل النهضوي في الكنيسة ويبرز، مكانه، إما التناحر وإما الثنائيات والثلاثيات. 

 فدعونا نتصارح على هذا الصعيد. ما لم يكن السبب وجود كاهن غير مستحقّ لكهنوته ولأي دور رعائي، أو وجود شباب أو جماعة غير مستحقّة لهويتها الكنسية، فإن هذه الضعفات الانسانيــة  تتخّذ تغطية لنفسها، في أكثر الأماكن، تسمّى موضوع المرجعية، الذي هو، في حقيقته، تسمية أخرى لأزمـة السلطـة في الكنيسة. ولكوننا في الكنيسة فإن كلّ أزمـة سلطة هي الوجه الآخر  لأزمة التسلّط. وانا هنا لا أعني بحديثي طرفاً واحداً بل أتحدّث عن الكلّ. قد يكون الحركيون أو أيّ جماعة أخرى هم المعنيون بهذه الأزمة وسببها في مكان ما، وقد يكون الكاهن أو الرئاسة الكنسية سببها. 

المهمّ، في هذه الحال، أن يعي كلّ منا دوره ومسؤولياته تجاه الآخر. فعلى صعيد التعليم الموضوع واضح. نحن في كنيسة المواهب وكلّ موهبة لها خدمتها وتكريسها. وإذا سلمت النيات ووجد الاخلاص، وبالتأكيد هو موجود في أماكن كثيرة، لا بد أن يكون للكاهن  دور توجيهي وتأثير فاعل في أي عمل مواهبي في رعيتهّ. وهذا ليس طريقه، بتاتاً، احتكار القرار الاداريّ الذي يختصر المواهب ويحصرها، بل احتضان العمل المواهبي ودعمه ومراعاة ضعفاته ومعالجتها لتنكشف له محبة الراعي فتوجّهه وتؤثّر فيه. فما تعلّمناه واختبرناه في الكنيسة هو أن لا تأثير لأحد في أحد بغير طريق المحبة والاحتضان، بغير الطريق التي أثّر فيها المسيح برسله ورجال كنيسته. نحن نعرف ونرى أن من يربي في الكنيسة، بغير هذا الطريق، أيّ ارتكازاً الى وهم "سلطان" أعطي له،  لا يولد رجالًا يعرفون سرّ الحريّة والتألّق في المسيح بل الأقزام المستنسخة والجمود. وهذا لا يخصّ كنيسة المسيح بشيء.

أيضاً لا بدّ أن يكون للجماعة المواهبية دور رعائي حاضن لكاهنها ومتلطّف به. لا يجوز لنا أن نرعى كلّ الناس ونتلطّف بضعفاتهم ونتجاهل رعاية الكاهن والتلطّف بضعفاته. هذا أيضاً شأن واضح في تعليمنا وفي تربيتنا الحركية لا نقاش فيه. لكنّ هذا لا يدعونا الى تجاهل كون الكاهن هو قدوة المؤمنين، وأن المطلوب منه هو التحلّي بفضائل الربّ، وعليه فإن لفتنا له الى هذا الأمر ومساعدته على معالجة ضعفاته، عند الحاجة، هو مسؤوليتنا الكنسية كأبناء. 

إذا وعى كلّ منّا دوره ووعينا، جميعًا، أن ما من موهبة تحلّ مكان أخرى، وأدركنا أن مواهبنا وجدت لتتاغم وتتكامل في خدمة الجسد الواحد، وإن تحسّسنا حاجة كلّ موهبة الى الأخرى لتتغذّى بها وتقوى، حينها تتكامل المبادرات ويتوحدّ العمل. وهنا أذكر الأخوة الحركيين، بغض النظر عما قد يعكسه تصرّفهم هنا أو هناك، أن عدم احترامنا، في الحركة، لدورنا المواهبيّ  وتخطّيه هو بمثابة السقوط في خطأ اختصار المواهب بموهبة واحدة وتقزيمها. وفي هذا انحراف عن الأساس الذي نشأنا عليه. فحين تبرز معوقات أمام وحدة العمل النهضويّ لأسباب عملية أو لضعفات إنسانية أو لطموح "شخصي"،  فليس لنا، بانتظار ازالة المعوقات، أن نحتكر العمل النهضوي في الكنيسة. بل علينا أن نبحث عن آليات وأطر تنسيقية تدفع بأي عمل نهضوي الى الأمام، أياً كان القائم به، دون أن نغفل العمل على ازالة المعوقات من أمام وحدته في إطار الحركة.

إنّ نبضنا النهضويّ لا يستطيع أن يقبل، بارتياح، وجود إطار آخر لعمل نعتني به، نحن، في الرعية، لأن قبولنا به هو بمثابة اعتراف بأننا فئة في الكنيسة واستسلام للضعفات. لكننا لا نستطيع، في آن، أن نتجاهل مسؤوليتنا عن دعم كلّ عمل ذي وجه نهضوي في محيطنا. لذلك أقول أن علينا دعم هذا العمل عبر البحث عن أطر تكامل معه والتساؤل، في آن، عن أسباب هذه الثنائية. فنعالجها بمزيد من تدارك الأخطاء والتوبة إذا كانت تعود الينا، وبالحوار والاقناع ومزيد من التواصل لابراز خطرها وخطر الفردية في العمل الكنسيّ، معها، إذا كانت تعود الى غيرنا. 

أخيراً تجدر الاشارة الى أنني لا أتطلّع الى وحدة العمل النهضوي وتكامله مرتكزًَا الى  شرعية عملنا الكنسيّ والتكليف الذي نملكه عبر الطرس البطريركي أو غيره. فكلّ ثمرة كنسية من ثمار الحركة، كلّ شخص يُبنى في المسيح بفعل التربية الحركية له، هو، بالنسبة لنا، بمثابة طرس الهيّ  أهمّ من أي تفويض أو طرس بطريركي أو بشريّ. أتحدّث بهمّ أن نتكامل، أقلّه، في أيّ عمل نهضوي ما لم نتوحدّ، ونستفيد من طاقات وامكانات بعضنا البعض، وأن نفسح للأشخاص، الذين هم غاية هذا العمل، إمكان أن ينعموا بترجمات الوحدة التي تجمعهم مع من يشاركهم الايمان الواحد بيسوع المسيح، ولا نحرجهم بوضعهم، في حياتهم الالتزاميّة، إزاء ثنائية متواجهة لأسباب، نعرف جميعاً، أنها لا ترتقي الى الجوهر.

على هذا الرجاء أختم وأنا دائماً في دعاء الى الله كي يزيل منّا الضعفات ويجعلنا أكثر أهلية واستحقاقاً لنُدعى أبناء. والسلام

 

 

 

المشاركات الشائعة