كلمة - اللقاء لذكرى الأخت ميّ سمعان 2005

 رينيه أنطون 


يؤسفني ألا أشارككم في هذا اللقاء، وقد شاءته محبتكم مناسبة نخترق فيها الصمت الكبير الذي رحلت به أخت عزيزة لم يستطع المرض الذي الّم بها، ولفترة طويلة من الوقت،  أن ينتزع منها صرخة ألم أو تأفف.  فما الهدوء الصارخ الذي  كلّل رحيل ميّ ديمتري سمعان - والكلّ يعلم كم كانت حياتها صرخة شهادة - سوى انعكاس لما نشأت عليه من إيمان بالقيامة.  فهي من اللواتي وعينَ، كجميع أبناء القيامة، أن الموت ليس سوى "انتقال من موت إلى حياة أبدية". ولذا فإن أول ما أرجوه هو أن يحمل لقاءكم هذا سمات المنتصرين على الموت. فنحن إن التقينا، اليوم،  لنستذكر مآثر سيّدة سبقتنا إلى فرح الربّ فإنما نلتقي بفرح لا لنقول بها ما حقّ لها  أن يُقال وحسب بل لنسطّر هذه المآثر أمام أجيال أخرى ستنشأ على عطاءات كبار مرّوا في كنيسة يسوع وسلكوا درب الحركة سبيلا إلى نهضتها وتألّقها.

من هؤلاء الكبار من حفرت فيهم النهضة عميقا حتى لبستَهم. ومن يعرف ميّ سمعان يعرف جيّدا أن النهضة لبستها حتى أضفت عليها هويّة حركية بامتياز  جعلتها من قلائلَ سكنوا ضمائر الأخوة واستحالوا رموزًا تلتحم صورة الحركة بصورتهم في الأذهان. وما نذكره جليّا أن هذه الهويّة النهضوية النافرة لم تمنع راحلتنا وكلّ من شابهها عن مواجهة ما كانت ترصده من سوء أداء أو ضعف في مسار تيارّ النهضة بحدّة مشهودة.  فهي إن أصبحت على هذا فلكونها وعت أن لا نهضة في الكنيسة ما لم تبدأ بنهضة  الكيان  الشخصي لكلّ من أبنائها  لتكون نهضة الشخص سبيلا لنهضة الجماعة.

 ثابتةُ هذه النهضة  التي نشأت عليها فقيدتنا هي محبة الكنيسة. وترجمةُ هذه المحبة في رؤيتنا هي التزام حياة الكنيسة والانكباب على عشرة تراثها ونقله.  ولأنها إبنة لهذه الرؤيـة أحبّت راحلتنا كنيسة المسيح إلى حدّ آل بقُبلـة سعيها الشهادي الى أن تكون كلّ  عائلة صغيرة تجمع أبا وأما وأولاد عائلة لله. فهي، على هذا الصعيد، نجحت بمشاركة زوج مؤمن وعالم وحكيم وأثمرت عائلة أجمل ما يقال فيها أنها عائلة للمسيح.

أما سعيها  الى الآخر فاتخذ التربية سبيلا له. آمنت  الراحلة بالتربية وأعطتها الكثير  لأنها رأت بها  وسيلة لا بدّ منها لسدّ فراغ معرفي  يسود وسط الشباب الكنسي، وهي التي تعرف أن من يجهل ما يخصّ الربّ فانما يجهل سبل خلاص نفسه. ولذلك اتخذ وجهها، في ذاكرتنا، صورة المرشد الباحث  عن أفضل السبل الآيلة الى جعل الفتية والشباب يدركون ما عند الله من جمال. وهي في هذا البحث غير مساومة على الاطلاق فتراها، وهي في عزّ عطائها في لقاءات ومؤتمرات جمعتنا، تحاور وتجادل وتحتدّ حتى يكاد المرء يتساءل عن سرّ هذا الانفعال ليكتشف لاحقا أن "الغيرة على بيت الله" هي الأساس.

غير أن وجه التربية لديها لم يقتصر على البعد التثقيفي وحسب بل تخطّاه الى بُعد التلمذة على الحياة. وهذا البُعد اكتسبته ميّ سمعان من كونها تتلمذت على من بادر وسبقها في الخدمة بحيث دفعته هذه الخدمة الى تكريس كلّ ما يملك للمسيح. ويشهد الكلّ لتواصل عميق جمعها وزوجها بآباء تبتّلوا للمسيح في الأديار لتكون أديارهم منارة تضيء الدروب القويمة أمام الشباب الساع. وقد اكتسبت من هذا التواصل  البُعد الانجيلي للمعرفة الذي يقتضي أن تحبّ إن شئت أن تعلّم الآخر المحبّة  وأن تعطي إن شئت أن تقود الآخر الى العطاء وأن تسجد إن شئت أن تنير درب الآخر بالصلاة.

 لم تعتقد ميّ سمعان، يوما، أن الآخر الذي يعنيها هو الآخر الأرثوذكسي فقط. فايمانها باستقامة الرأي سبيلا للخلاص ومعاينتها لما في الأرثوذكسية من جمال لم يقوداها الى التعامي عن جمال زرعه الروح في الآخر. وهذا ما آل بها شخصية أرثوذكسية مسكونية الهوى ترتجي أن تنقل الى الكلّ ما لدى كنيستها من كنوز وأن تستشف ما لدى الكلّ، بفعل الروح، من جمال.        

 أيها الأخوة،

من يتأمّل بعمق في مسيرة الراحلة يتبيّن له كمّ فيها ما يعلّم. فرجائي اليوم أن نكون جميعا أهلا لما حملناه معها من إسم وما نشأنا عليه سويّة من قيم ومبادئ لتنتقل الشعلة التي حملتها الراقدة بالربّ ميّ خوري سمعان الى أجيال وأجيال في أبرشيتكم الزاخرة وبإمامة سيادة راعيكم الجليل المتروبوليت بولس. هي اليوم راقدة على رجاء القيامة ونحن، معها، نرتجي التنعمّ بضياء وجه الربّ يوم القيامة.

_________
* مرشدة مختبِرة مؤثّرة في الأجيال، مارست دورًا تربويا هامًّا في حلب.

 


المشاركات الشائعة