لِنحذر

رينيه أنطون


مجلّة النور - العدد السادس 2004


دعونا نتصارح في شأنٍ لنا إزاء عثرات تعترض شهادة حركتنا وتواصل رؤيتها وتفاعلها مع محيطها الرعائيّ. والأمر الذي يوحي بهذه العثرات هو الشعور الذي يعتري الأخوة، في بعض الأماكن، بأنّهم لا يُرعَون كما ينبغي أن يُرعى الأبناء وبأنّهم لا يواكَبون كما تُواكَب سائر الطاقات الكنسيّة بل يُحاسَبون ويُدانون، في كثير من الأحيان، وكأنّهم وحدهم من يُخطئ أو يُقصّر في ممارسة مسؤوليّته في الكنيسة. وليس سرًّا القول إنّ شعور الأخوة هذا كثيرًا ما يترافق مع مواقف تَحُدُّ من حرّيّة توجّههم نحو الرعايا وتفاعلهم معها.

وبغضّ النظر عمّا إذا كان هؤلاء الأخوة محقّين في شعورهم هذا أو غير محقّين، وهم في أكثر الأحيان محقّون، وعمّا إن كانت أسباب هذا الأمر تعود إلى ممارسة الحركيّين أم إلى أسباب أخرى، ينبغي تذكير بعضنا بعضًا، في هذا السياق، بما يلي:

أوّلًا، ضرورة ألّا ينعكس هذا الأمر سلبًا على علاقتنا بالرعاة والرعيّة وألّا تُشَوَّه المفاهيم الكنسيّة السليمة التي يجب أن تحكم هذه العلاقة. فالراعي هو راعينا وله أولويّة التوجّه والاحترام بغضّ النظر عمّا إذا كنّا، في بعض المواقف، نوافقه الرأي أو لا. مسؤوليتنا تجاهه لا تقلّ عن مسؤوليّته تجاهنا. حقّه أن يُرعى من قبلنا رعاية الأبناء لأبيهم كحقّنا أن نُرعى منه رعاية الآباء لبنيهم الراشدين. فلا نستحيل، في حال الاختلاف، بفريق أو بجهة إزاءه ولو شاء البعض الإيحاء بذلك أو سُرّ به. وعلينا أن نتشبّث بهذا الموقف مهما كانت الصعوبات. فنحن لسنا سوى فريق الكنيسة وجهته، وعى الكلّ هذه المقولة – التي يجب أن تعكسها ممارستنا الرعائيّة أيًّا كانت الظروف المحيطة – أو لم يَعِها. وليس من سبيل أمامنا، في حال أيّ اختلاف، سوى الحوار المحبّ المبنيّ على المصارحة البعيدة عن أيّ تملّق أو مواربة.

والرعيّة هي رعيّتنا، ما يعنيها يعنينا وما يعنينا يعنيها. شهادتنا، حيثما نكون، هي في الرعيّة ولها. فلا وجود لنا خارج هذا المفهوم. إن اجتمعنا، في ظلّ رؤية نهضويّة واحدة، فنحن إنّما نجتمع لأجل الرعيّة. وإن التقينا، من رعايا مختلفة، فإنّما نلتقي ليفعّل كلّ منّا ثمار اللقاء في رعيّته. ومهما اجتهدنا ونشطنا وتباعدت رؤيتنا والبعض، فإنّما هذا، في اعتقادنا، من أجل أن ننهض بالرعيّة. لذا علينا الانتباه كي لا تجرّنا الانفعالات من الأوضاع الخاطئة المحيطة بنا إلى تغريب ذواتنا وعزلها عن حياة الرعايا أيًّا كانت أشكال التعبير عن هذه الحياة وبغضّ النظر إن أعجبتنا هذه الأشكال أو لا. علينا أن نعي أنّ لا رجاء لنا بالوصول إلى ما نتطلّع إليه من حال نهضويّة تعمّ أنطاكية ما لم نغرس بذور هذه النهضة في صميم الواقع الخاصّ بكلّ رعيّة.

ثانيًا، يجب أن نتشبّث برؤيتنا وألّا نُسلّم بمفاهيم لا تنسجم وتقليدنا الأرثوذكسيّ أيًّا كان حاملها وأيًّا كانت وطأة الواقع الذي نحياه. إنّ انتماءنا إلى حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة والتزامنا الرؤية النهضويّة التي تعبّر عنها هذه الحركة هما تجسيد مسؤوليّة اكتسبناها في جرن المعموديّة وحين مُسِحنا بالمسحة المقدّسة. ولكلّ أعضاء الجسد الكنسيّ حقّهم في اختيار سبل خدمتهم الجماعة بحسب مواهبهم. فنحن، حين نمارس ما يتطلّبه منّا التزامنا الحركيّ، إنّما نقوم بمسؤوليّتنا الكنسيّة هذه. وأيّ إخلال في هذا الإلتزام هو تقصير عنها. فإن شئنا أن نكون أُمناء للرّبّ سعينا إلى تفعيل ممارستنا هذه المسؤوليّة وتعميمها لا إلى حدّها أو ربطها بإذن من هنا أو برغبة من هناك. وذلك من دون أن نهمل اللياقة والترتيب اللّذَين تقتضيهما آليّة كلّ عمل كنسيّ.

ثالثًا، إنّ مسؤوليّتنا الكنسيّة هذه، المكتَسَبة من جرن المعموديّة، تستقيم بقدر ما نفعّل معموديّتنا في حياتنا اليوميّة، ونبقى "في مائها" كما يعبّر العلّامة ترتليانوس. فلنحذر من الاعتقاد بأنّ التشدّق بالكلام على الحركة وتاريخها والارتكاز على هذا التاريخ فقط هو ما يجعلنا صالحين ومؤهَّلين للمسؤوليّة الكنسيّة. الأمر الذي يجعلنا أهلًا للمسؤوليّة في الكنيسة هو التمثّل بجهاد من سبقنا في هذه المسيرة ليتبيّن الجميع التزامنا الحياة في المسيح في وجوه حياتنا اليوميّة كافّة. فما انتماؤنا إلى حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة سوى التزام بحياة الصلاة، وسعي لِعشرة الكتاب ولنَيل المعرفة، وتوثّب لتكريس الجهود والأوقات في سبيل خدمة هنا وبشارة هناك. فلا مجد للحركة خارج مجد الكنيسة ولا مجد للكنيسة ما لم يتمجّد يسوع المسيح في حياة أبنائها كلّ يوم.

 

 

 

 

 


المشاركات الشائعة