أيضًا وأيضًا المال في الكنيسة

 رينيه أنطون

 نشرة صوت االمركز - 2000


ما يدفعنا مجددًا إلى طرح موضوع المال في الكنيسة هو كثافـة الأنشطة التي تدعو إليها المؤسسات والمجالس  الكنسية  دعمـًا لمشروع وسعيًا لمـال، إضافـة إلى ما يشوب الإعداد لبعض هذه النشاطات والإعلام عنها من ممارسات تنفي عنها الصفة الكنسية . 

أولاً، ليس بجديد القول  أن تشعُّب هذه النشاطات يعكس حالة ضعف في الوحدة  يعاني منها الجسم الكنسي، وإن السبيل للخروج من هذا المأزق هو إيجاد تنظيم  ماليّ موحَّد يسمح بأن يتشارك الكل في مال الكلّ في سياق تحديد للأولويات على صعيد الأبرشية يتجنّد الجميع لتحقيقها . غير أن لإيجاد هذا التنظيم سبلاً أوّلها أن يكون القائمون على المجالس والمؤسسات في حال من الوعي الشهادي تسمح للكنيسة بأن تسعى لإيجاد هذا التنظيم  وتحديد الأولويات وفقًا للتوافق الأبرشي بإمامة الأسقف، وهي متحررة من ضغوط الطموحات الخاصة بكل مؤسسة أو رعية . وهذا ما يقتضي أن يتولّى المسؤوليات الكنسية من ُيشهَد له بالإيمان واستقامة الفكر والممارسة وبوعي شمولية انتمائه الكنسي. أما ثاني هذه السبل فهو تربية شعبنا ، المعتاد على العطاء الصاخب الموسمي واللامنتظم ، على متطلبات عضويته في جسد المسيح كي يتحمّل مسؤوليته الكنسية عبر التزامه الدوري بالمشاركة المالية بروح إنجيلية.

ونظرا لكون البعد الحياتي أساس التربية في الكنيسة ، وكي لا تؤول تربيتنا للناس إل مجرَّد  تلبية إرادتهم وتحقيق متطلباتهم، بل تكون سعيًا لما يجب أن يؤمنوا به ويكونوا عليه تحقيقًا لخلاصهم ، علينا، نحن الكنسيين ، أن نمتنع عن ممارسة ما قد يوحي بأننا جُرفنا بمفاهيم "العالم" ولغته ، فنبقي المال كإحدى وسائل شهادتنا لا غايتها. وهذا ما نحققه عبر تمسُّكنا بالمبادئ الإنجيلية إزاء تعاملنا مع كل الناس ، متموليّن وفاعلين وغير ذلك ، أيًّا كان الظرف والحاجة.

أن يغلب فرح اللقاء  في أنشطتنا على أيّ فرح آخر هو تعبير حيّ عن تمسُّكنا بروح الإنجيل. فالأنشطة في الكنيسة تتميز عن أيّ نشاط آخر بكونها تتخطى كثيرًا كونها فقط وسيلة لتحقيق غاية مالية أو اجتماعية لتكون واحة يعاين فيها المؤمنون فرح الشركة ومحبة الجماعة ووحدة الجسد. ولذا لا يقاس حجم نجاح اللقاء الكنسي بكثرة ما يحققه من ريع بل بقوة ما يتجلّى فيه من شركة بين المؤمنين. نجاح كل لقاء كنسي قائم بمقدار ما يعكس تبنّي أطراف الجسد الواحد بكلّيتهم مواطن الضعف والحاجة فيه .

فمن منطلق المحبة للكلّ والغيرة على بهاء الكنيسة ووحدتها، نلحظ  افتقاد الكثير من أنشطتنا لهذه المقّومات. تخصيص البعض بزيارات ودعوات وأماكن خاصة نراه ينعكس تغريبًا للكثير من المؤمنين عن حياة كنيستهم ويساهم في تجريد الأنشطة من بعدها الشركوي، إضافة إلى كونه يوحي بأن الكنسيين غريبون عن مفهوم "فلس الأرملة"  ولا يعون ماهية الأولّين  في كنيستهم.

صخب التبرعات الذي تضجّ به نشراتنا الرعائية لا يربي الناس على العطاء بصمت كي يستقيم عطاؤهم . فبالرغم من حجم الأعباء المترتبة على الكنيسة وحاجتها الكبيرة للمال ، لا يمكن أن نغفل أن الضجيج الإعلامي يوحي للمعطي وكأنه قد مَنَّ على كنيسته بشيء ، في حين أنّ العطاء في الكنيسة هو ترجمة انتماء ووعي مسؤولية. الكنيسة "عائلة الله"، وحاجتها للمال كحاجة كل عائلة، فهل من عائلة تضّج بعطاء أبنائها، وكم من أبناء يضجّون بعطاء عائلاتهم ؟

ليبق الكنسيوّن أمناء لإنجيلهم وليثقوا أن حاجات كنيستهم تعطى من الله الذي في وسطها وهو وحده الذي يسكب عليها كل نعم. وليكن العطاء اللائق سبيلاً لنا جميعا، ممارسين كنا أم غير ممارسين ، كوننا كلنا محمولون في كل صلاة الجماعة.

 

 

 

 


المشاركات الشائعة