من وحي أوضاعنا الحركية

 

رينيه أنطون

نشرة صوت المركز - العدد الخامس 1997


استخلصت، من المؤتمرات الحركيّة التي عقدت مؤخّرًا، الكثير من العبر والأسباب التي أدّت إلى ما نعايش من خلل في حياتنا الحركيّة، أذكر اثنين منها، نظرًا لضيق المساحة، أتوجّه بهما إلى الأمانة العامّة العتيدة، راجيًا أن تخطو، في الفترة المقبلة، نحو ترسيخ الإيجابيّات وإصلاح جذريّ لمظاهر الخلل:

أوّلًا: عدم قدرتنا على مواجهة الاختلاف في الرّأي، وتعاملنا مع هذا الموضوع في اجتماعاتنا القياديّة بخوف واضح، ما يعكس عدم تفهّمنا لحقيقة الحركة ودورها، فكثيرًا ما نلجأ إلى تجميل الواقع ونتجاهل ما تحياه المراكز على هذا الصعيد، فتفقد أطرنا القياديّة شفافيّتها وتمسي عاجزة عن لحظ الثغرات وتحقيق ما ترجوه الجماعة منها، وهو صهر الكلّ في تطلّعات مشتركة.

مواجهة هذا تقتضي منّا أوّلًا الإعتراف بالقدرات الفكريّة لكلّ منّا والحوار معه من موقع المتعلّم لا المعلّم، كما تتطلّب منّا أن نعي أن الحركة حالة إبداعيّة نهضويّة، وأن الإبداع لا يُحَدّ، والنهضة لا تقف عند حدود، كذلك فخمسة وخمسون عامًا من الخبرات والمعاناة كافية لولادة طروحات جديدة عند الأخوة وربّما مختلفة عمّا اكتسبناه وعايشناه منذ التأسيس، ففعل الروح لا يُحَدّ فقط في ما هو منجَز وقائم في التاريخ والأدب والممارسة الحركيّة حتّى اليوم. لذلك علينا أن ننظر إلى الأفكار والممارسات المتعدّدة المختلفة كظاهرة صحّيّة مرجوّة ينبغي احترامها وتقويمها والتفاعل حولها بغية ترشيدها ووضعها في تصرّف الأخوة. كما علينا أن نحدّ نهائيًّا من تسخير الاختلافات الفكريّة والعلميّة لترسيخ بعض التوجّهات السلطويّة.

ثانيًا: ضعف الثقة بالشباب الحركيّ وخاصّة بالجيل الفتيّ، وهذا يعكس عدم وعي لماهيّة الحركة وتاريخها وسرّ قوّتها إذا جاز التعبير. عبّرنا عن هذا الضعف في المرحلة الماضية بتهميش دور الأمانة العامّة في القضايا الرئيسيّة واللّجوء إلى القادة "التاريخيّين" في الأزمات لضمان سلامة الموقف والممارسة، الأمر الذي ساهم في تحجيم دور الأمانة العامّة والشباب في مواجهة التحدّيات، وأنتج تفرّدًا وضعفًا لروح الجماعة، وخللًا في مستوى الحضور الحركيّ في مواجهة الأزمات. كما عبّرنا مؤخّرًا عن ضعف الثّقة بالشّباب من خلال الإصرار على استبعاده عن القيادة الحركيّة نظرًا لما ندعوه "دقّة الموقف وحساسيّته".

إضافةً إلى كون هذه الممارسات تعكس تجاهلنا لحيثيّات التاريخ الحركيّ الذي سطّر أنّ الذين أبدعوا حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة هم شباب في العشرينيّات من العمر، فإنّها تعكس أيضًا تجاهلنا لحقيقة أنّ القيادة الحركيّة، كائنة من كانت، إنّما تستمدّ قوّتها وقدرتها على طرح ما تراه مناسبًا ومواجهة ما تراه خاطئًا، من قوّة الوجود الحركيّ ونوعيّة حضوره ومدى انتشاره في الأرجاء الأنطاكيّة وليس العكس. نحن على هذا الصّعيد بحاجة إلى عمليّة قيصريّة تفطمنا عمّن نحنّ إليه ونطمئنّ، والفطام قرار يتّخذه الراشدون.

على أمل المزيد من الشفافيّة والمصارحة والثقة بالشباب، أرجو للأمانة العامّة العتيدة النّجاح في تحقيق الأماني والتطلّعات.

 

المشاركات الشائعة