قيصـر بندلي

رينيه أنطون – 19 تشرين الثاني 2020


أسرّ له الله أنه أحبّ ما يكفي ليفعَل ما يشاء، فانتفضَ قيصَر، كعادتِه، وانعطفَ بالمسار.

شاءَ القائد أن يستثمر الحكمَ ليُنقّي ما ينتشي به من جرعات الحبّ، ويُسكِره مِن كؤوس الحريّة، ويُدَغدغُه من أناقةِ الأمراء. قرَّر، في غفلةٍ، أن يتعرّى ممّا للدنيا ويرمِه للأرض، أن يصيرَ واحدًا لا صراع فيه، حنطةً دون زؤان. قرَّر أن يتحرّرَ ممّا أشبَكَته به الحياة دون أن يكون له شأنًا فيه. فتوقَّف في منتصفِ الصحراء، وتعرّى.

انتَصبَ واهِجًا بين أشعّة الشمس الضاربة في أرضٍ صحراء. استعانَ بوشمٍ في جلدِه يُعلِنُ نسلَ ملوكٍ فيه. وَشمُ وجوهٍ تتفيَّأُ، فوق، في ظلِّ عودٍ وجسدٍ، منها أتَى قيصرَ وإليها أرهَقَه الحنين.

انعَكسَ الوشمُ في السماء ما أذابَ، فيها، الأقفال وحرَّك الأبواب. سارعَ، ملاكُه، حارسُه، مِن مهمته في الأرض لاعداد الترتيبات. أيقظَ مِن الوجوه، مُبَشِّرًا، قائدًا في فيلقِ الفداء، كانَ مِرسالًا رعِدَ بأهل الدنيا وأمطَرهم بحروفِ الكتاب. وأيقظَ ملكةً نائمةً وصيفةً لعذراء السماء، ناسكةً كانتَ قد أبدعَت، بصلاةٍ وصمتٍ ودموع، "مجدًا" لقيصر في الأرض وقصرًا له من قشّ المزودِ في السماء.

ارتكضَ القلبُ في قيصَر لحظة رعدَةِ القائد ويَقظةِ الملكة. ولكونِه أختبَر أنَّ لجروحِ الشوقِ في الأحبّة، هنا، مداواةٌ بالصلاة، قرّر الإسراع بالصعود. قرّر عدمَ الحاجة، بعد، للسلوكِ في العلوّ وطرقاتِ التلال الديرية ليقتربَ من أبواب السماء. قرّرَ أن يتمدَّد في قصره هناك، ويرتاحَ في حُضنِ الملكة، ما بعدَ الأبواب.

حياةُ الملوكِ، كهذا القيصرِ، لا تُختَم. ليست كحياة قياصرة الدنيا هي. هؤلاءِ يمسحُهم، وجبروتَهم، التراب والزوال. أمّا القياصرة الساجِدين، المنحدرين من نسلِ قيصَرِ الخَلقِ، الحانّين على المُحتاجين، فأَصلَب.

المصلوبية، وإنْ أطلّت في قيصَر بأناقةِ أميرٍ، هي أقوى من الجبروت. وإيقونات المُحتاجِين، هي أبدًا، أروع مِن لوحات الملوك. المصلوبية أقوى من الموت. فنحنُ شهدنا أنها والقيامة توأمان.

_________
* شابّ حركيّ من الميناء، مبادر وقائد، يتحلّى بفضائل عديدة، خطفه الموت الفجائيّ على الطريق السريع في الخليج بعمر الخمسين.

  

المشاركات الشائعة