خدمة مجالس الرعايا

 رينيه أنطون

نشرة حياة الرعيّة - 9 شياط 2020

 

الكنيسة عائلة الله الكبرى. سعيًا منها إلى ترسيخ هذا المفهوم لدى المؤمنين وترجمته، أقرّت كنيستنا الإنطاكيّة قانون مجالس الرّعايا والأبرشيات في العام 1973. يتمايز قانون المجالس بتطلّعات مُضيئة شخصَت إلى نقلةٍ نوعيّة في تعاطي المؤمنين بشؤون كنيستهم وفي ما ترتجيه الكنيسة من أبنائها. ورغم أنَّ أسبابًا عديدة، نعود إليها في مقالة لاحقة، ساهمت بعرقلة تنفيذ القانون بأبعاده وبنوده كافّة، إلّا أن خصائصه، المذكورة أدناه، ظلَّت غير مُفتَقَدة، وتكثر تجلّياتها كلّما أحسنّا تنفيذه والعمل به، ومن أبرز هذه الخصائص:

أوّلاً، أنّ القانون أبطلَ أن تكون خدمة الكنيسة حكرًا على فئة من الأبناء دون أخرى. وشرّع الأبواب أمام كلّ أبناء الكنيسة، إلى أي شريحةٍ انتموا، لترجمة بنوّتهم للمسيح وعضويتهم في الكنيسة بالمشاركة في تحمّل المسؤولية فيها وعنها.

ثانيًا، أنّه، وعِبرَ ما لحظته بنوده من تغيير منتظم لأعضاء مجالس الرّعايا، أفسح مجال الخدمة هذه لأوسع شريحة من المؤمنين، الأمر الذي يُغني الحياة الكنسيّة ويجدّدها بالمواهب المختلفة والمتعدّدة.

ثالثًا، أنه أناطَ بأبناء الرّعية المشاركة في المسؤولية، ليسَ عن صعيدٍ من صُعد حياة كنيستهم، وإنّما عن الأصعدة كلّها. فلم تعُد خدمة العلمانيّين محصورة بشؤون الوقف والمال، بل امتدّت لتطال كذلك المساهمة في شؤون الرِّعاية والتربية والتعليم والعمل الإجتماعي وغيرها.

رابعًا، أنّه سعى لإعادة الحياة الرّعائيّة إلى مسارها الصحيح عبر التكامل المنشود بين خدمة الرّاعي، القائد، وخدمة العلمانيّين بما يشبه التكامل في خدمة أعضاء العائلة لعائلتهم الواحدة دون إغفال الدور الخاصّ لرأس العائلة. فلم يعُد من طغيانٍ لأيّ موهبةٍ على أخرى. هذا إضافة إلى ما ننشده من إطار تشاركي وتشاوري يساهم في ترجمة وحدة الجسد الكنسي على صعيد الأبرشيّة. فدعوة الكنيسة لنا إلى الإنخراط في مجالس الرّعايا هي دعوة إلى ولوج هذه الآفاق لنكون عمّالاً فاعلين في ورشة النهوض بحياة كنيسة المسيح. وهذا النهوض هو تفعيلٌ لبنوّتنا وللمسؤوليّة التي كُلِّفنا بها في جرن المعمودية.             

 

في الكنيسة نحن لا نقيس الأمور بمقاييس الدنيا. لدينا ركيزة واحدة لتقييم خدمتنا فيها هي الإنجيل. لذا نحن لا نتواجد في خدمتها بغية أن نبرز ذواتنا بل بغاية أن يبرز الله من خلالنا. الكنيسة تتطلّع إلينا خدّامًا فيها على هذا الرجاء. تنشدنا مسؤولين عن الوفاء للكلمة الذي هو الربّ، ومن هذا الوفاء تتفرّع سائر وجوه خدمتنا فيها. حين ذكر قانون مجالس الرعايا السمات التي وجب أن يتحلّى بها الأبناءُ الخادمون في مجالسها فإنّما شاء أن يذكّرنا أننا نأتي إلى الخدمة من الإيمان وترجمةً لهذا الوفاء. والإيمان منطلقُه التزامنا ممارسة الأسرار والصلاة والصوم والتحلّي بفضائل الإنجيل. فبهذه الوجوه من التزامنا تتحصّن حياة كنيستنا إزاء ما يُسيء إليها من ممارسات العالم ومصالحه. على هذا الأساس تنظر الكنيسة إلى أبنائها كمسؤولين فيها وعنها. ولا تميّز بين حرصِ الرعاة على سلامة الحياة الكنسية وبين حرص المؤمنين عليها. ونرى أن هذه الثقة بالأبناء تجلّت في قانون المجالس بدءًا من طريقة تأليف مجالس الرعايا حيث ذُكِر أن هذا التأليف إنما يتمّ بالتفاهم بين الراعي والرعية ما يشير إلى تكامل المسؤولية بينهما. هذه المسؤولية لا تُحصَر في نطاق الرعيّة المحلّية. فنحن أعضاء في كنيسة أرثوذكسية أنطاكية واحدة. ننطلق من همومنا وخبراتنا المحلّية لنُغني ونغتني بتفاعلنا ومشاركتنا الأخوة في سائر رعايا الأبرشية وأبرشيات كرسينا الأنطاكي. الآفاق الوحدوية هذه لحظها القانون أيضًا وخصوصًا عبرَ ما ذكره عن مؤتمر الأبرشية ومجلسها. وإذ نأمل أن يترافق الوعي لدى المؤمنين والإصرار لدى الرعاة ليسهل المضي في تنفيذ سائر بنود النظام، فإن الأمرَ لا يمنع أن نرتجي دائمًا هذه الآفاق. نرتجي أن نكون، كرعايا وأبناء للكنيسة، مسؤولين عن بعضنا البعض ومبادرين إلى تلبية حاجات بعضنا البعض ومتشاركين الهموم لتتجلّى بنا وحدة جسد المسيح.