مؤسّساتنا

 رينيه أنطون

نشرة الكرمة -  الأحد 7 تشرين الاول 2012 


المؤسّسات الكنسية هي وليدة الكنيسة بمعنى أنها انبثقت من هذه الجماعة لأجل ما يخدم بشارتها بيسوع المسيح وحضورها وسط أبنائها وشهادتها له في العالم. وهذه الجماعة هي خاصّة الربّ (يوحنا 10: 14)، وجسد المسيح (أفسس1: 23) ومبنية على تعاليم الرسل وأساس واحد هو يسوع المسيح (أفسس2: 20-21). وبهذا المعنى الكنيسة هي  وجه الحضور الالهي في الأرض وواحة لهذا الحضور تنحدر من الله الى العالم لترفعه إليه دون أن تفقد تميّزها عنه بكونها ليست منه بل هي  فيـه  ملح ٌوخميرٌ.

ولأن المؤسسة الكنسية هي من تعابير الحضور الكنسيّ في العالم ووجه له فإنّ ثباتها في أمانتها لهويتها وخدمتها للجماعة لطالما  يتطلّب:

أولًا، أن يُشهد لها بفعل المحبّة والرحمة. فمحورية خدمة المحتاجين والرحمة بهم واضحةٌ في الكتاب المقدّس (انجيل الدينونة، السامري الشفوق الخ...) ولدى اباء الكنيسة القديسين وكأساس أهمّ في الخبرة المؤسساتية للقديس باسيليوس الكبير. وما كشفه لنا الكتاب في أعمال الرسل 6: 2-6 حين كلّف الرسل سبعة من التلامذة بخدمة توزيع الارزاق اليومية على الأرامل هو أن الكنيسة لا تستطيع أن تهمل  تلبية حاجة الناس (فعل المحبّة والرحمة)  حتى لسبب خدمتها للكلمة والبشارة.

ثانيًا، أنّ يحضر همّ قضيّة المسيح وكنيسته في هموم ادارتها ذلك لكون من لا يحمل الهمّ لا يستطيع أن يقود مسيرة مدّه في اي مكان. والاصحاح ذاته من أعمال الرسل أشار لنا الى هذا  بشكل لا  يقبل الشكّ  حين تحدث عن أن الجماعة اختارت لخدمة الارامل من هو ممتلئ من الايمان والروح والحكمة. هذا لا ينفي أنّ الادارة في الكنيسة هي كأي ادارة في العالم، هي وسيلـة لاتمام الخدمة وتحقيق  غاية المؤسسة التي هي على رأسها، وأنّ شروط نجاحها ومتطلّباته تتطلّب أيضًا ما يقتضيه نجاح أي ادارة أخرى من قدرات علمية أخصّائية واستقامة وتجرّد.

ثالثًا، أن تتبنّى المؤسّسة هواجس الجماعة الكنسية وأن تحتضن الجماعة المؤسّسة، بكلّ ما فيها، وتحضر حاجاتها وهمومها في هواجسها. فلا يجوز أن تُحصر العلاقـة بين الجماعة ومؤسّساتها بإيقونة الشفيع وصورة الأسقف وما تقتضيه الأمور من علاقات إدارية لا بدّ منها. فالمؤسّسات هي امتداد شهادي  خادم للجماعة الكنسية أو هكذا يجب أن تكون، والجماعـة هي الرحم الأمّ للمؤسّسات أو هكذا يجب أن تكون، والفصل بينهما وبين ما لكلّ منهما هو فصلٌ مُجزّئ للوحدة في المسيح.  لذلك، فإنّ التواصل الهادف والشورى، واحتضان الجماعة لمؤسّساتها، هو ما يدعم رسالة المؤسّسات ويُحصّنها، قدر الامكان، في وجه العثرات والأزمات والسقوط في ما يُمكن أن يصيب أيّ هيئة أو مؤسسّة من ضعفات خصوصًا منها تحكّم الروح الفردية فيها والمصالح الشخصية والمحاباة، فنحن جميعًا "نحمل هذا الكنز في أوانٍ خزفيّـة".

رابعًا، إضافةً الى ما يجب أن تعكسه مؤسساتنا للعالم من أنّ الكنيسة يهمّها المشاركـة في سعيه إلى  ما يخدم إنسانه ومُجتمعه ونموّه وتطورّه، فإن علاقتها بالقطاع المستفيد منها يجب أن تتميّز لتعكس، جليًا محبّة المسيح للكلّ وما يجعل منها، أيّ من المؤسّسة، جسر عبور إلى التزام المسيح وكنيسته. فهذا الشأن، إضافةً، إلى  شأن خدمة الفقراء، هو ما يجعل مؤسساتنا حاجةً تُعنى الكنيسة بها، وإذا انتفى هذا الشأن تنتفي تلك الحاجـة.

المؤسسات الكنسية، كما سائر الهيئات والمجالس الكنسية الأخرى، ليست هي مطلًا كنسيًا لنفوذ اجتماعيّ. هي دائمًا، أيًّا كانت خدمتها، على رجاء أن تكون مطلًا للربّ، عبر الأبناء، على ما يدفع العالم إليه ويخدم "صغاره"، أو هكذا وجب أن تكون.

 

 

 

 

 

 

 

 


المشاركات الشائعة