التوجيه الاجتماعيّ للأطفال

 رينيه أنطون

مجلّة النور- العدد الرابع 1978

إنّ لموضوع الإلتزام الإجتماعي أهمّيّة كبرى في حياتنا المسيحيّة لأنّه إحدى الطرق الأساسيّة التي يسلكها الإنسان المسيحيّ في سعيه نحو المسيح الإله. هذا ما تعلّمناه في الحركة وهذا ما تبرزه لنا وثيقة "التزام شؤون الأرض" إذ تدعو كلّ إنسان حركيّ للعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعيّة.

إذا أردنا أن نعلم أهمّيّة البُعد الإجتماعي في الكتاب المقدّس نرى في إنجيل "الدينونة" مدى تلك الأهمّيّة، فالمسيح وحّد نفسه بالمضطهَد ودعانا بشكل واضح إلى العمل من أجله. فبقدر ما نعمل من أجل المضطهَد نعمل من أجل المسيح لأنّ "كلّ ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه". ففي الكتاب المقدّس إذًا دعوة للعمل من أجل من دعاهم الربّ "صغارًا". والصغار لا يُقسَمون إلى حاقدين وغير حاقدين لأنّ الحقد عندهم أساسه القهر المادّيّ والإهمال الروحيّ، فبقدر ما نعمل على تحقيق العدالة الإجتماعية في مجتمع يسوده الظلم والتفرقة، نعمل على إزالة جذور الحقد من قلوبهم فيزول قهرهم المادّيّ وتنتعش حياتهم الروحيّة.

 

من منطلق ما دعانا إليه الربّ في إنجيل "الدينونة" لا نستطيع أن نعلّق العمل الاجتماعي في حياتنا المسيحيّة بانتظار الوصول إلى النهضة الروحيّة المرجوّة، لأنّ الصلاة وتجسيد محبّتنا لمن أحبَّهم الربّ هما طريقان متوازيان علينا سلوكهما معًا في سعينا نحو المسيح الإله. إذا اعتقدنا أنّ الصلاة فقط هي طريقنا إلى الربّ نكون قد تجاهلنا إحدى الحقائق الأساسيّة في حياتنا المسيحيّة ألا وهي حقيقة التجسّد. فكما جسّد الله محبّته للبشر بيسوع المسيح علينا أن نجسّد محبّتنا لله بالعمل من أجل من وحّد الله نفسه بهم. فمحبّة الله، كما علّمنا المسيح، لا تنفصل عن محبّة الإنسان، لذا أمكن القول أنّ صلاتي لا يمكن أن تستقيم حقًّا إن لم يكن فيّ هاجس الإنسان الآخر بآلامه ومآسيه. أمّا إذا اعتقدنا أنّ الالتزام الاجتماعيّ فقط هو طريقنا إلى الربّ، نكون قد تخلّينا عن الغذاء الروحيّ الذي يمدّنا به الله في صلاتنا وبذلك نكون قد تخلّينا عن هدف الوصول إلى النهضة الروحيّة المرجوّة، كما أنّنا نكون قد بترنا التزامنا الإجتماعي نفسه من بُعد أساسيّ من أبعاده، لأنّ الإنسان لا يحقّق ملء إنسانيّته وكامل تحرّره إلّا بالله الذي هو ألف وجوده وياؤه.

 

فإذا التزمنا اجتماعيًّا لا نكون قد تبنَّينا فكرًا ماركسيًّا وألقينا عليه بعض الآيات الإنجيليّة بل نكون قد تبنَّينا فِكر المسيح، لأنّ الربّ وحّد نفسه بالمضطّهَد قبل أن يدعو ماركس إلى تحقيق العدالة الإجتماعيّة. أمّا على صعيد الممارسة فالحلول الفرديّة، على أهمّيّتها، كمساعدة بعض العجزة والمساعدة المادّيّة لبعض الفقراء تبقى دون المطلوب ما لم نسعَ للوصول إلى الحلول الجذريّة لكلّ المشاكل الاجتماعيّة القائمة في مجتمعنا.

تلك المواقف ينبغي لها بنظري أن توجّه عملنا التربويّ بين الأطفال. إذ علينا أن ندعوهم إلى تخطّي تلك الازدواجيّة المصطنعة التي كثيرًا ما تشوّه نظرتنا المسيحيّة فتقيم فصلًا لا بل تعارضًا بين قضيّة الله وقضيّة الإنسان. فبالتجسّد ربط الله نهائيًّا مصيره بالإنسان. لذا فالتزامنا قضيّة الله يمرّ حتمًا بالتزام قضيّة الإنسان، كلّ إنسان وكلّ الإنسان، ونعرف اليوم أنّ التزام الإنسان لا يمكن أن يكون جدّيًّا إن لم يأخذ بعين الاعتبار ضرورة تغيير الأوضاع الاجتماعيّة الجائرة التي تسحق أكثريّة البشر. 


* مقالتي الأولى في مجلّة النور

 

المشاركات الشائعة