مشروع ليلى

رينيه أنطون – 31 تموز 2019


عدا ومَضات، إبداعيّة، في مقارباتٍ إيمانيّة لموضوع الحرّية، "المسؤولة" منها و "المُطلَقة"، وإن بالَغَ بعضُها أو غالَى في خلاصة الموقِف، فإنّ ما واكبَ قضيّة مشروع ليلى مُحزِنٌ أليم.

شخصيًا، لم أعرف الفرقة، ولم أسمع أيًّا مِن أغانيها إذ لا يُغريني هذا النوع مِن الفنّ. وبصراحَةٍ، أيضًا، لم أجد نفسي مُتحمِّسًا للدفاع عن حرّيتها، كما عن أيةِ حرّيةٍ أخرى، غيرِ مشروطة، بالتهكّم بالمقدّسات ومكانتها في ضمائر المؤمنين، هذا إن صحَّ التهكّم، وذلك أقلَّه، برأيي، احترامًا لقوانينٍ سُنَّت على هذا الصعيد صونًا للبلد من شَرذماتٍ مُضافَة، ورفضًا لجرحِ مشاعرَ المؤمنين، والأهمّ، الأهمّ، تلافيًا لامكان فَهمِ هذا تحفيزًا للفرقة على المضيّ بما قد لا يخدم خلاصَ أعضائها، المرجوّ دائمًا لكلّ شخص، وبحرّيته، وهو الغاية الأسمى مِن أيّ أمر.

ما عَناني في القضيّة أن تبقى صورة المسيح، حقيقةَ فدائه، سليمَةً في الضمائر، وما يَكبَح الاسترسال في ما يشوّهها فيها. عناني ألا يُمسي الربّ، في ضميرِ أحد، صالبًا والمُفتدَى، منه، مَصلوبًا. ولذا أساءَني، أكثر مِن أي إهانة وتعرّض له، القمَعَ والتعنيفَ باسمِه و"دفاعًا" عنه.

أضْف ما لفتَني أمس حيث أصدرَت الفرقة بيانًا، جيّدَ اللهجة والمَضمون، أوضحَت فيه هويّتها وعملَها وردّها على ما طالَها من اتّهامات ونكرانِها لها، وتولَّى موقِعٌ حقوقيّ، يُركَن إليه، نَشره.

لفتَني أنَّ أحدًا مِن الغُيُر، المدافعين عن الله ووالدة الاله، لم يتوقّف عندَ بيانَ الفرقة، الذي إن عَطفناه على القرار القضائيّ بهذا الموضوع، لوجَدنا ربّما أنّنا أمام مُعطَياتٍ تختلف.

رغمَ أنّني لا أدري مدى صدقيّة البيان، وما إذا كان القرار القضائي المُبرِئ، اجمالًا، للفرقة أصابَ أم لا، إلا أنَّ الأمر استحقَّ أن يلتَفِت إليه بعضٌ ممَّن قاوَموا حفلَ الفرقة وفي صدارَتِهم المركز الكاثوليكيّ للاعلام وبعض القادة الدينيّين.

ليسَ الأمرَ أنَّ أحدًا لم يحاول، البتّة، مقاربةَ الموضوع انطلاقًا مِن إمكانِ تغيّر المُعطَيات والتأكّد من صحّة ما أدلى به "المتَّهَمون" في بيانِهم وحسب، وليسَ أنّ أحدًا، وإن أصرّ على موقِفه، لم يحاول أقلّه التعامل مع البيان كتوجه للتراجع عن الخطأ و"توبة" وحسب، بل أن البعضَ أمعَن في الاتّهام والشيطَنة بعدَ البيان، كما قبله، وأمعَن في هرطقةِ أصحاب الرأي الآخر والتشكيك باخلاصِهم وتوسيع دائرة "خطورتهم" بالخَلطِ بين موضوعٍ وآخر. وكأنَّ ليسَ مِن رأيٍ ومُعطَى يقابل رأيًا ومُعطَى، وليسَ مِن انسانٍ، صورة الله فيه، يقابل شخصَه ورأيه، وليسَ مِن حرصٍ على خلاص، كأنَّها مناسبة هي، وإناءٌ هوَ، الآخر، تُفرَغُ فيه، وعبرَه، المَشحوناتِ والترسّبات.

فَمُحزنٌ كثيرًا هذا.

حقًّا مُحزن.

ومُحزنٌ، معه، جَهل هذه المجموعة بحقيقةِ المسيح، هذا إن صحَّ الاتّهام.

ومحزنٌ، في الحالِ هذه، ازدراؤها بمقدَّسات شرائح كُبرى مِن مواطنيها.

إلا أنَّ المُحزنَ أكثر ما قد يكون سبب هذا الجَهل والازدراء، ومَن قد يكون المسؤول الحقيقيّ عنه.

ومُحزنٌ أكثر، وأكثر، ما اعتُمِد من تعنيفٍ وترهيبٍ واهاناتٍ وضغوط لمواجَهته.

لا بل مُحزنٌ كثيرًا الجنوح الى مواجَهة هذا الجَهلِ بالقَمعِ بدلَ معالجتة بالتعليم، ببَسطِ فداء المسيح أمامه ليُعرَف.

محزنٌ اعتقاد مسيحيّين بالحَجبِ، وليسَ بالتربية على الايمان والقِيَم، سلاحًا لصونَ الأجيال مِن الانحراف.

مُحزنٌ الهلع على القداسَة مِن أغنية، كما مُحزنٌ التهكّم، يمينًا ويسارًا، في مقاربةِ القضيّة.

أمّا الأشدّ إيلامًا وحزنًا، فهوَ ما لم صحَّت الاتّهامات، وأصابَ الفرقة ما أصاب مِن ظُلمِ "شرطةِ المسيح".

ويبقَى الألم الذي ما بعدَه ألم، ما بعدَ مشروع ليلى "والانتصار" عليه، يومَ تَغفل "الشرطة" هذه، وستَغفل، عمَّن يهين الربّ مِن "أعداءِ" الداخِل ، المُنتِجين الحقيقيّين "لأعداء" الخارج".

  

  

 

المشاركات الشائعة