المطلوب اليوم هو غير المعتاد

 رينيه أنطون - 13 أيّار 2024


شهدت رعيّتي في الأسابيع الأخيرة عدّة وفيّات متلاحقة، منها ما لا يخرج عن سياق الطبيعيّ، ومنها ما طال فتيةً وشبابًا نتيجةَ موتٍ فجائيّ، أو سريع، بما يتركه هذا الموت من ألمٍ وجروح لدى العائلات والأصدقاء.

ولئن صحَّ ما يُسمَع عن أنَّ الصعوبات الماليّة هي ما تتسبّب، بشكلٍ أو بآخر،  بزيادة هذه الوفيّات المفاجِئة أم لم يصحّ، فالأكيد هو أنّنا نعيش وسطَ أكبر انهيارٍ وأقسى ظروفٍ معيشيّة، وأنَّ هذه الظروف تُرخي بانعكاسات مأساويّة على شرائح من مجتمعنا، وأنَّ، إلى العائلات الفقيرة والمُعدَمة، باتت هناك شرائح جديدة أكثر تأثّرًا بهذه الأوضاع، وهي تلك التي كان ينتمي إليها معظمنا، ومُعظم مَن يحوط بنا.

هذا ما يضعنا أمام مسؤوليات مجتمعيّة جديدة. فالكلّ يعرف الكلّ، والرعاة في مقدّمة العارفين. فمتطلّبات العيش اليوم، وإنْ في أدنى مستوياته، لا تخفَى على أحد، وكذلك متطلّبات التعليم، والطبابة والمتابعة الاستشفائيّة بأدنى شروطها ووتيرتها. وما من أحد يجهل ما آلت إليه مستويات الدخل الوظيفيّ، اليوم، والظروف المهنيّة والعائلية المحيطة بكثيرٍ من العائلات المُصابة اقتصاديًّا والصامتة حولنا، والتي لم تعتد طلب المساعدات ولا تقبّلها، والتي هي، كالجميع ، تُعلي كرامَتها الإنسانيّة وكرامة كلّ من يختصّ بها على أي أمرٍ أو حاجة.

ما أتحدّث عنه من مسؤوليّات هو عدم انتظار بروز الحاجات أو اعلانها، بل الالتفات الخَفِر المُصارِح والمبادِر نحوَ هذه العائلات، المشكوك بقدرتها على التمكّن من تأمين متطلّبات العيش بما فيها الصحيّة منها، لتأسيس ما يُشبه شبكةَ أمانٍ، مؤقَّتة، لها إنْ صحَّ الشكّ وأمسى يقينًا. 

وإنْ كانَ الأمر يعود، تفصيلًا، إلى الرعاة والهيئات واللجان الناشطة والمختصَّة، والذين يُشهَد أنّهم لا يوفّرون جهدًا لتلبية ما أمكنهم من الحاجات، إلا أنّ شأن كلّ معنيّ أن يمتلك جرأة التفاعل والتعاون وهذه المبادرات، وشأن الجميع أن يتجاوبوا مع كلّ لفتة ودعوة تعاضدية، فالمطلوب اليوم، على الصعيد المُجتمعي باتَ، بالتأكيد، غيرَ المألوف والمعتاد.

 

المشاركات الشائعة