خصوصيّتنـا

 رينيه أنطون 

نشرة الكرمة -  كانون الأوّل 2011


كلّما أطلّت فترة عيد الميلاد ورأس السنة كثرت النداءات وتعدّدت الطروحات حول ضرورة أن تتمايز احتفالات المسيحيين، بالمناسبة، عن غيرهم من الناس وتتحلّى بخصوصية. ويذهب العديدون، كلّ مما يراه يتوافق وآراءَهُ الايمانية وتعاليم الكنيسة، إلى تحديد سبل هذا التمايز. ولا يختلف اثنان في أن هذه النداءات نادرًا ما تلقى صداها المرجوّ لدى المؤمنين نظرًا لترسّخ العادات والتقاليد الشعبية وثباتها لديهم. والسبب الآخر أنه كثيرا ما تأتي هذه الدعوات والناس تُشغَل بالمناسبة وتعيش وسط ضجيجها بحيث يصعب عليها التحرّر الفوريّ منها. لذلك قد يفيد اليوم، وقد بدأنا بالابتعاد عن هذه الفترة، أن نوضح بعض ما يسهّل علينا، كمؤمنين، إحياء هذه المُناسبة بما يتوافق ومركزيتها الايمانية ويليق بنا كأبناء للمسيح.

عامّةً، إن الكنيسة لا يُغيظها فرحُ المؤمنين والأطفال في مُناسبة كهذه وفي أيّة مناسبة أخرى، فهذا الفرح هو فرحٌ للربّ. كما لا يُضيرها أن يعبّر المؤمنون عن هذا الفرح، إذا شاؤوا، وفق تقاليدهم الشعبية والاجتماعية الموروثة، ما لم تُغذّي هذه التقاليد أهواءهم  وتُبعدهم عن السلوك الحسن والتحلّي بالفضائل الايمانية. إذ ليس بالضرورة أن تتناقض هذه العادات والتقاليد، كلّها، وإرادة الربّ، خصوصًا إذا طُعّمت بنكهة الايمان وتسرّبت منها هذه النكهة إلى الناس، وصارت في خدمة البشارة. فالكنيسة تُدرك أنها موجودة في العالم وليس خارجه، وإنّما برجاء أن يتحلّى هذا الوجود بنسيج إلهيّ ويهدف الى نشر فكر المسيح وبسط نوره في العالم. من هذا الرجاء تنبع خصوصية تعاطينا، نحن المؤمنين، مع شؤون الدنيا. وأول الغيث لنحفظ هذه الخصوصية، في مناسبة الميلاد أو أيّة مناسبة دينية أخرى، هو ألّا ندع شأنًا دنيويًا يُغيّب معانيها وأبعادها الايمانية عنّا ويكتسب مكانتها في ضمائرنا.

بعيدًا عن هذا الأمر لا يشوّه مُناسباتنا الايمانية أمرٌ، ويسهل علينا أن ننزع عن الرموز والعادات، التي تواكبها، ما أضفيناه عليها من صنميّة. ففي حضن هذا الوعي الايمانيّ لا يعود مهمًّا أو مطلوبًا، مثلًا، أن نقتلع رمزية بابانويل من ضمائر الأطفال ليستقيم فرحنا وفرحهم بالميلاد. الفرح يستقيم، بوجود هذا الرمز أو بغيابه، إن تلمّسنا حجم المحبة الإلهية التي غمرتنا بتجسّد الإله وكشفنا هذه المحبّة ونقلناها لأطفالنا، وأولينا هذه المهمّة مَقامَها في العيد. ويستقيم الفرح إن جعلنا من بابانويل، برمزيته لدى الأطفال، مُساهمًا في هذا الكشف ومُساعدًا عليه. الفرح يستقيم إن أرفقنا تقديماتنا وهدايانا للأبناء والأقرباء بالتحرّر من روح الجشع، واقتنينا روح التخلّي والعطاء، وجعلنا الفقراء أقرباء، حقيقيين، لنا ولحظناهم، كما ينبغي، في التقدمات والهدايا. ويستقيم الفرح إن أشركنا بابانويل، أو غيره، في توعية أطفالنا وتربيتهم على هذه الروح، وإن سأله أطفالنا أن يُشرك أطفالًا فقراء، أقرباء لهم أو أصدقاء، بتقدمات وهدايا. وفي حضرة الوعي الإيمانيّ لا يعود مهمًّا ومطلوبًا، مثلًا، أن نتخلّى عن لقاءاتنا العائلية والموائد التي تحضر فيها ليستقيم فرحنا. لأن المهمّ والمطلوب هو أن تأتي هذه اللقاءات، زمانًا ومكانًا ومضمونًا، تتويجًا لمشاركتنا، العائلية، في الذبيحة الالهية الميلادية التي ترفعنا الى الاتّحاد بالطفل المولود، موضوع الحدث، وتزفّ لنا بُشرى التجسّد الالهيّ، فيمتدّ تأثير البُشرى في حياة عائلتنا ويزيد من تماسكها الايمانيّ وليس الانسانيّ وحسب.

إن حفظنا الخصوصيّة الإيمانيّة لا يعود الضير في أن نعبّر عن سعادتنا وفرحنا بأشكال وأساليب إنسانية. الضير في أن نجهل، أو ننسى، بمـا نحتفل ولما نحتفل، فتتماهى احتفالاتنا مع احتفالات غير المؤمنين وتأتي فارغةً من الأساس، غير مُشبعة بحضور الحدث الإيمانيّ فيهـا، ومتناقضةً مع قناعتنا بأن الفرح الحقيقيّ قائم كلّما نمت معاني المُناسبة الايمانية في نفوسنا وقرّبتنا من الخلاص. بهذا نفقد ما خصّنا به الربّ يسوع المسيح موضوع حياتنا وحدثها الدائم، فـ "نربح العالم ونخسر أنفسنا". 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 

المشاركات الشائعة