تقرير الأمين العام - المؤتمر الحركيّ 2005

رينيه أنطون - المؤتمر 36


الوحدة

نشكر الله أنه جمعنا إليه رغم كلّ الصعاب. أشكره على جهود أعطيتم أن تبذلوها سعياً لانجاح هذا اللقاء، الأمر الذي يدلّ على تشّبثنا بوحدة نفتقد إلى كثير من  معالمها في محيطنا الكنسي الأنطاكي. إن سعينا الوحدوي هذا إن دلّ على شيء فإنما على أن محبّة الله ما زالت تفعل في ضعفاتنا، معمّدة اياها بالنعم، ومستحيلة بها  قوّة، لنا، في مسيرة النهضة. ذلك أن في كلّ مشاركة في ما يجمعنا يكمن وجه من وجوه النهضة، لأن لا نهضة لنا خارج الوحدة. فكمّ يتألّق هذا الوجه حين تأتي المشاركة في ظلّ ظروف قاسية لتؤكّد ايماناً لنا بأن مؤتمراتنا هي الرحم الذي منه تغتذي وحدتنا وفيه تنمو. فنحن، في رحابها، نسعى الى صياغة ما يوحّدنا إزاء كلّ ما يطرأ علينا من قضايا أو ما يتحدّانا من صعوبات. 

إن شئنا، حقيقةً، أن تستمرّ هذه الوحدة كان علينا أن نكون "في نفس واحدة". حينها، فقط، نؤهّل لنستمطر نِعم الروح القدس علينا لنمسح، بها، ما نعاينه من جراح نلحظها، في جسد الربّ، عبر الجراح الملحوظة في وجوه مسيرتنا وفي وجوه أخرى. فإيماننا أن ما من جرح يعتري مسيرتنا إلا ويُنزف الجسد الكنسي الواحد. ويقيننا إن أيّ نزف يصيب هذا الجسد، هو، بالضرورة، يصيبنا. هذا ما يفسّر أننا لم نُعن يوماً بهمّ لا يعني الكنيسة ولم نقتن شأناً غير شأنها، فالكنيسة هي الأساس الذي منه  وله ولدنا. 

نحن نثبت في هذه الرؤية قدر ما نحن ثابتون في رؤيتنا النهضوية. وثباتنا هذا لا تزعزعه أوجه أليمة  يتخبّط بها واقعنا الكنسي أو عثرات نواجَه بها بسبب هذا الواقع أو لغيره من الأسباب. فلا عثرة يمكن أن تحجب عن أيّ منا إيمانه "بمسؤوليته عن الكنيسة بأكملها". ذلك لكوننا ندرك أن منبع الصعوبات هي الخطيئة الكامنة في نفوس البشر، ولكوننا نتطلّع، من خلال تجسيدنا للمسؤولية هذه، إلى توبة تنفض غبار الخطيئة عن نفوسنا وعن وجه كنيستنا. وإن تحدّثنا عن أوجه أليمة فإن هذا لا يعني، البتّة، أننا لا نلحظ أوجهاً أخرى مضيئة تفرحنا، وعليها نشكر الله. وحين نُبرز هذه الأوجه، كما نراها، وعلى صواب كنّا أم على خطأ، فإننا لا نبغ إدانة أحد أو تشهير بضعفات، فنحن ندرك، أيضاً، حجم الضعفات التي فينا. إن تحدّثنا، إنما ذلك لبلوغ غاية واحدة نرتجيها دائما، ترجمة لمسؤوليتنا، هي المساهمة في معالجة هذه الأوجه حيث نرى أن لا سبيل الى ذلك  إلا في  تحديد العثرات درباً الى المعالجة.


الوجه الرعائيّ  

بأسف نقول إن إحدى هذه الأوجه هي الشوائب التي  ما زالت تعتري علاقتنا والرعاة، في بعض الأماكن. ورغم أنني توقفت، باسهاب، في تقريري العام الماضي، عند وقائع هذه العلاقة وتأثيراتها، وحدّدنا رؤيتنا الايمانية لسبل استقامتها، فإن هذا لا يمنع أن أشير، مجدّداً، الى خلاصة ما يُسهم، بنظرنا، في تأزيمها. إنه الامعان في استهداف وحدتنا- الذي نرجو ألا يكون تغطية لشرذمة قائمة - وفي استهداف حرّيتنا - الذي نرجو ألا يكون استجابة لرؤية سلطوية - دون أن أنفي إمكان كونهما جواباً على ما يُظنّ أنه ممارسة خاطئة، من قبلنا، أو تصرّف لا يليق. هذا لا يعني أن ليس لدينا مثل هذه الممارسة أو هذا التصرّف، لكنّهّما، اذا وجدا، فباعتقادي أنهما لا يشكّلان سبباً للتعرّض لأساس رؤيتنا الكنسية. لا سيّما وأن الممارسات الخاطئة لا تُحصر بنا، كما أن كلّ المسؤولين الكنسيين المعنيين يعرفون مكانة ما نحن مستهدفون به في ضميرنا الايماني. فالحرية والوحدة تتكاملان لتشكّلا درباً واحداً يصل بالمؤمن الى الخلاص. الحرية التي نتشبّث، كمؤمنين، بها هي الحرية المواهبية، "الخادمة لبنيان الجسد الواحد"  والناشطة في سبيل أن ننتهي، جميعاً، الى وحدة، "الى قامة ملء المسيح". والوحدة التي تخصّنا هي الوحدة الثالوثية المضمون والصورة، المتطلّعة الى إحياء المواهب والفرح بها لكونها تبغي التمايز وتترسّخ به. من هنا نقول أنهما تتكاملان، لأن إحداهما هي، بالضرورة،  طريق لبلوغ الأخرى. ولذلك نحن  نستشّف في كلّ سعي لتقنين عمل المواهب في الكنيسة استهدافاً للكنيسة ووحدتها، وفي كلّ استهداف لوحدة كنسية قائمة سعياً لتقنين عمل المواهب.

وإنطلاقاً من هذا يمسي ما يخصّ الوحدة والحرّية، في الكنيسة، شأناً لا تُحصر مفاعيله بعلاقتنا والرعاة فقط، بل شأن يخصّ، بامتداداته وانعكاساته، كلّ المواهب في الكنيسة. وانطلاقاً من هذا ننطلق، نحن، في مسعانا لاصلاح المواقف التي تستهدف هذين الوجهين. ليس من كوننا نقلق لحال نعيشها هنا أو هناك- فسلامة رؤيتنا تشكّل حصانة شهادتنا- بل لكون أن استهدافهما، لدينا أو لدى غيرنا، يعكس خللاً في الرؤية الكنسية يحجب الخلاص عن "الرعية" ويعيق المؤمن عن تفعيل معموديته بيسوع المسيح وفق ما مُسح به من مواهب. ولعلّ خير ما يجب أن يهدف اليه مسعانا، في هذا السياق، هو مواجهة المفاهيم الدنيوية التي لا يجب أن نسمح لها بأن تحلّ بدل المفاهيم الكنسية لتجيز التجزئة بديلاً للوحدة، والتسلّط بدل الخدمة. ويحضرني هنا قول صاحب الغبطة البطريرك أغناطيوس الرابع: "بدون الروح القدس تصبح الكنيسة مجرّد منظّمة وتتحول السلطة، فيها الى تسلّط... ومن خلال الروح القدس تصبح الكنيسة رمز الوحدة الثالوثية، والسلطة خدمة محرِّرة..." (وحلّ بيننا: ص. 47). ففي هذا القول ما يذكّر بشهادة نرجوها لكنيستنا، دائما، وهي أن تكون كنيسة معمِّدة للعالم لا كنيسة على صورته، فلا جمع بين هذه وتلك لأن إحداهما لا تُبنى إلا على أطلال الأخرى.


المدارس الفكريّة

أيها الأخوة، قلت إن سعينا لمواجهة ما نعتقده خللاً في المسار الكنسي هو تجسيد لمسؤوليتنا عن الكنيسة. وقلت أن في تجسيدنا لهذه المسؤولية مسار توبة. لكن، لا استقامة لمسار التوبة هذا ما لم نتحلّ، في مسعانا الاصلاحي، بسمة انجيلية هي المحبّة التي لا خيار لنا سواها. حذاري أن ندع ضجيج العثرات والصعوبات يحجب، عنا، كون شهادتنا هي لرأس كنيسة افتدى ضعفات البشر بالصلب. نقول بالمحبّة لا بالمحاباة، وقوامها الحوار المرتكز على المصارحة ووضوح الرأي.  ونقول بالحوار والحوار فقط، ومنطلقه ثقة كلّ منا باخلاص الآخر فيما يرتأيه من سبل لخدمة الكنيسة. فلا يخطئ أحد باعتقاده أن هذه الثقة، إن وجدت، ستغيّب مواهب في مواهب أخرى أو  تُبدل رأياً بآخر  أو ستقود الى إقرارنا برؤى مغلوطة. ما ستقود اليه هذه الثقة  هو احلال الصفاء في النفوس ليشعر كل منا، بحقّ، أن خلاصه هو غاية الآخر.

هذه الأسس، التي يجب أن ترتكز اليها  مواجهة الرأي في الكنيسة للرأي الآخر، هي ما تمنع عن الجميع  الغرق في عدائيـة تُبطل البُعد الخلاصي لسعيهم الايماني. وحاجتنا اليها تشتدّ في خضمّ أمر مؤلم آخر نعاينه في وجه الكنيسة. وهو الحدّة، المقرونة بكثير من الادانة والتكفير أو بكثير من التطاول والاستخفاف، والتي كادت أن تلازم مضامين النقاش القائم بين الاتجاهات والمدارس الفكرية المتعدّدة.  لست انا من يعظ، هنا، في المحبة، التي أعني بها المحبة الانجيلية الفاعلة في خدمة الله والكون، لكنّ لكون معظم المعنيين بهذا النقاش قد سبق والتزم قضية يسوع المسيح عبر الحركة أو ما زال على التزامه عبرها،  فإني ألفتهم جميعاً، آباء وإخوة، الى أن المعرفة إن تجرّدت عن بُعدها الخادم أمست جهالة. ويستحيل على المعرفة أن تمتلك البُعد الخادم ما لم تمتلك البُعد الانجيلي المحبّ. المعرفة التي دعينا، في رحاب الحركة، الى عشقها هي سلاح نشهد به للصورة الالهية القائمة في الانسان لا سلاح نفتك به بالكرامة التي يستمدّها الانسان من تلك الصورة. المعرفة التي نرتجيها هي التي تؤهّلنا أن نكون على قول المطران جورج "إن ازدادت معرفتكم ازدادت خدمتكم".

هذا الشأن هو من التحدّيات التي تواجهنا والتي طرحت علينا، في الماضي،  أسئلة كثيرة  علّ أهمّها ما يتعلّق بدور لنا في رعاية حوار فاعل بين المدارس المتعدّدة. لكنّ ما اقلق له، اليوم، هو التأثير السلبي للتجاذبات القائمة في الوسط الكنسي على عملنا، خاصة في ظلّ بروز مرجعيات "تقوية" متعدّدة على خلفية هذه التجاذبات. ومن وجوه هذا التأثير ما نشهده من جنوح شرائح، لا بأس بها من مسؤولينا وأعضائنا، الى ازدواجية انتماء. هذه الازدواجية عكست شيئاً من هذا التجاذب على الداخل الحركي، وجعلت المعنيين من اعضائنا ينظرون سلباً أم ايجاباً الى موقف الحركة  قياساً على قُرب الحركة أو بُعدها من الموقع "التقوي" الذين هم عليه.


الأبوّة الروحيّة والطاعة

لا شكّ بأن الانعكاسات السلبية لازدواجية الانتماء هذه لا تنحصر بالحركة بل تطال الواقع الكنسي بمجمله بسبب خلل، توحي به هذه الازدواجية، في  مفهوم الأبوة الروحية لدى البعض. في هذا المضمار أشير أولاّ الى كون الطاعة، في رؤيتنا وبمفهومها المستقيم، فضيلة أولى وحاجة مُلحّة لاستقامة حياتنا في المسيح لكونها تعبيراً عن تسليم حياتنا للربّ. غير أن هذا لا ينفي ضرورة أن نعي تمايز المعطيات الخاصة بموضوع الطاعة في إطار الشركة الرهبانية عن المعطيات الخاصة بها  في العالم. إن مواكبة الشخص المكثّفة وعمق المعرفة به ومشاركته العيش وحياة الصلاة هي معطيات، متوفّرة في حياة الشركة الرهبانية وغير متوفّرة في العالم، تسمح، ربّما، للشخص بالتسليم الكلّي للأب الروحي. لكن، وبعيداً عن هذا التمايز، تبقى متطلّبات الأبوة الروحية، في الدير وفي العالم، واحدة وأساسها حضور الجماعة في ضمير الأب الروحي كما في ضمير الابن حيث يشكّل هذا الحضور ضماناً لاستقامة الأبوّة والبنوّة الروحيين. فالطاعة، في رؤيتنا الايمانية، هي للمسيح من خلال الجماعة، ومنها هي للشخص الذي يملكه المسيح ربّ الجماعة وفاديها. من هنا إن الطاعة التي تتخّذ التحزّب للشخص (أي للفرد) هوّية لها لتشكّل وجهاً من وجوه تشرذم الجماعة هي  طاعة مجرّدة عن بُعد الجماعة غريبة عن تراثنا. إن لم يقترن أي وجه من وجوه سعينا الايماني بهاجس الجماعة ووحدتها  انحرفت حياتنا الايمانية.      

انطلاقاً من هذا فإني اقترح على الأمانة العامة العتيدة، تحصيناً للحياة الحركية، المبادرة الى إيلاء موضوع الأبوّة الروحية، بكلّ أبعاده، حيّزاً كافياً من الاهتمام، ولا سيّما لناحية تقييم واقع التعاطي معها، اليوم، والتأسيس لحوار صادق مع الآباء انطلاقاً من نتيجة هذا التقييم. كما أدعوها الى أن تعمّم على الفرق الحركية ما تراه مفيداً مما نُشر، في تراثنا المكتوب، حول هذا الموضوع، خصوصاً منه ما يصل بشبابنا الى رؤية سليمة له، وذلك بهدف دراسته والتفاعل معه. هذا مع الاصرار على ان يتحلّى هذا التقييم المرجوّ بالموضوعية والتجرّد. 

يبقى أن ألفتكم إلى دقّة الوضع الكنسي التي تقتضي، من مسؤولينا، أن يكونوا  أكثر مواكبة لهذا الجانب وأكثر رعاية للشباب وأكثر حزماً في ضبط التصرّفات الحركية، خصوصا تلك التي تمسّ وحدتنا وتُسهم في تشويه مسيرتنا، لا سيّما وأننا شهدنا - ولا نزال نشهد- انعكاساً سلبياً شديداً لبعض التصرّفات الفردية على الحركة ككلّ.

 

قضايا إرشاديّة 

ولكون هذه الشجون ترتبط، بشكل وثيق، بسلامة الرؤية النهضوية لدينا وبالدور المرجوّ للإرشاد، فإني أعود الى هموم حياتنا الحركية، وتحديداً الى ما سبق وتوسّعنا به في مؤتمرنا الماضي (أضعه بين أيديكم للتذكير به، فقط، وليس للنقاش مجدّداً) الذي كلّف الأمانة العامة القيام بما تراه مناسباً لمساعدة المراكز في الوصول الى ما نرجوه على هذين الصعيدين.

إن الخطّة التي أقرّتها الأمانة العامة في أولى اجتماعاتها فور انتهاء أعمال المؤتمر قضت بما يلي: 

1.    أن تتواصل مباشرة مع المسؤولين في المراكز والفروع الحركية وذلك عبر لقائين: يعقد الأول فور انتهاء اعمال المؤتمر للتفاعل مع المشاركين حول طروحات المؤتمر ومقرّراته. ويعقد الثاني في بداية الصيف لاستمزاج الرأي في القضايا التي يعتقد المسؤولون إنها تستوجب تعاطي المؤتمر معها. على أن يقوم المشاركون، وفق السبل التي يرونها مناسبة، بنقل الهواجس المحمولة في هذين اللقائين الى سائر الأخوة في فروعهم. وقد انعقد اللقاء الأول فور انتهاء اعمال المؤتمر.

2.     أن يدعى الى مواكبة اللقاءات والحلقات التي تقيمها الأمانة العامة إخوة مشهود لهم بسلامة الرؤية. ذلك بهدف تمتين التواصل المباشر والرباط بين هؤلاء الأخوة والمشاركين في هذه اللقاءات.

3.    أن تتولّى الأمانة العامة تسمية مرشدين زائرين لبعض الفرق في الفروع، وتحدّد الحاجة الى ذلك بعد استكشاف واقع الحياة الارشادية في المراكز. 

4.    تأسيس لقاء دائم يعقد بشكل دوري مرة كلّ شهرين يشارك فيه خمسة أعضاء من كلّ مركز. يتباحث المشاركون خلاله في ما تطرحه عليهم الأمانة العامة من هواجس ويتفاعلون مع ما حملته الأوراق الحركية. وتسمّي الأمانة العامة مرشدا لمواكبة كلّ لقاء. وتمّ عقد لقائين شارك في أحدهما المطران جورج خضر.

5.    تعيين مسؤولي متابعة بهدف متابعة ما ترتأيه الأمانة العامة من  هواجس وقضايا مع الأعضاء الحركيين في المراكز والفروع بعد التنسيق مع رؤساء المراكز. وقد سمّي لتولّي هذه المسؤولية عدد من ألأخوة.

6.    تفعيل التواصل مع المغتربين الحركيين بهدف ربط الأخوة الحركيين في الخارج بهواجس وهموم الحركة والكنيسة، اليوم، عبر تخصيص مسؤولية لهذا العمل. 

لن أغوص في كلّ الأسباب التي منعت أو أخّرت استكمال تنفيذ هذه التوجهّات الهادفة الى تمتين التواصل وتفعيل الارشاد سعيا الى رؤية سليمة تعمّ في مراكزنا وفروعنا.ذلك لأن الفترة السابقة لا يمكن الركون اليها لتبيّن حقيقة الأسباب. لكننّي أذكر، دون أن انفي إمكان تقصير من هنا أو من هناك، انه لم يعطى لنا ذلك بسبب تداعيات  حادث اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من أحداث في لبنان. وهذه الأحداث دفعت الأمانة العامة، أيضا، الى تجميد معظم نشاطاتها لهذا الصيف صونا لسلامة الحياة الحركية الداخلية. وعليه لا زلت أؤمن بضرورة  استكمال تنفيذها وأوصي الأمانة العامة الجديدة بذلك  لا سيّما وأن لا متغيّرات نلحظها في حياتنا الداخلية توحي بإمكان معالجة الوجوه المذكورة دون  مزيد من حضور الأمانة العامة في حياة المراكز. 

إن تأمين ّهذا الحضور ليس بالأمر السهل في ظلّ الواقع الحياتي لشبابنا المثقل بأعباء متعدّدة وبأكثر من مسؤولية. وهذا ما يثبت الحاجة، مرة أخرى، الى تفرّغ فريق تنفيذي يتولّى مهام متابعة هذه الشجون في المراكز. وهو الأمر الذي يقتضي، إضافة الى رصد المال اللازم وهو أمر ممكن جداً، أن نضع النظم التي تحكم العلاقة بين المكرّسين لهذه المسؤولية والادارة الحركية. وأعتقد أن على الأمانة العامة المبادرة، فور، تأليفها الى تكليف إخوة قانونيين وضع مشروع اقتراح بهذا الشأن، وعلى المؤتمر ان يرتأي ما اذا كان يفوّض الأمانة العامة إقرار هذه النظم لتنطلق، فور ذلك،  الى لحظ هؤلاء الأخوة وتكليفهم.


 

الحضور الرعائيّ والشهاديّ

 إن الحاجة الى هذا الفريق يفرضها أيضاً سعينا للانتقال، على المستوى الكنسي، من حال لحظ الثغرات الى حال المساهمة، مع غيرنا من المؤمنين، في ابداء الرأي بما تتطلّبه بعض الآفاق المستقبلية وتحديد معالم الحلول لبعض القضايا. وغايتنا من هذا أن نُسهم بما يحرّر كنيستنا من الجمود التي هي عليه. هذا الجمود الذي يقذف بالمؤمنين، خاصة الشباب منهم، الى غربة عميقة عن همومها. ورجاؤنا أن يتوّج هذا المسار بتواصل دائم مع الرئاسة الكنسية حول ما يمكن أن ينتج عنه. إن ورشة الحوار التي أطلقناها على هامش هذا المؤتمر، وبغض النظر إن نجحت، بالشكل الذي بُنيت عليه، او فشلت، هي بداية هذا المسار الذي يجب ان يتفعّل ويستمرّ على أن يكون تنفيذاً لتوجّه واحد هو تعميم الهمّ الكنسي على اوسع شريحة ممكنة من المؤمنين من جهة، والسعي إلى تعاون كلّ الطاقات الكنسية المؤهّلة لدور ما على هذا الصعيد من جهة أخرى. وهذا ما يقتضي، منا، الكثير من المتابعة التنفيذية، خاصة لناحية تحديد الحاجات والأولويات ورصد الطاقات وتنمية تواصلنا مع كلّ المعنيين. 

 إن حجم التحديات الرعائية التي تواجه كنيستنا اليوم، والتي يمكن أن تواجهها في الغد، تضعنا  أمام تحدّي أن نكون واحداً  في إيلاء هذا الوجه من شهادتنا ما يستحق من التضحية والاهتمام. فكم تغيّرت، اليوم، ميادين الشهادة وكمّ كثرت التساؤلات التي يطرحها الايمان على ضمائر الناس وتنوّعت. وكمّ بات من المطلوب أن نقتني لغة شهادية جديدة وأشكالا شهادية جديدة لا أدع  أننا نملك كافة معالمهما الآن. لكنّ البقاء على ما نحن عليه أمسى، في كثير من وجوهه، لا يفي بمتطلّبات اكتسابنا للهوّية النهضويـة. إن الجدّة المرجوّة في تعاطينا الشهادي تستدعي منا، أيضاً، تكريس القدرة العلمية لشبابنا الباحث والممتلك للرؤية النهضوية، المغترب منه والمقيم، في استكشاف سبل الوصول اليها ومتابعة التأسيس لها. هل نمتلك القدرة على ذلك. باعتقادي أن الجواب نعم اذا امتلكنا الارادة ووعينا أهمية أن يكون لنا هذه الارادة في مسيرة حركتنا.    

    

أيها الأخوة،

شئت أن لا أتوقّف في هذا التقرير عند ما انجز وما لم ينجز في قطاعات عملنا الداخلي. فما تمّ قد تمّ ونشكر الله عليه، خاصة على أصعدة التوثيق والنشر والبرامج وصفحة الانترنيت ومجلة النور، وأرجو أن يكون تفاعلنا، في المراكز، مع التقدّم الملحوظ على هذا الأصعدة ومع الصعد الأخرى أشمل وأعمّ. علماً أننا سنجهد لافساح المجال أما بعض مسؤولي القطاعات للتخاطب المباشر معكم في هذا المؤتمر.

إنما الأهمّ  يبقى ان نتعاون لانجاز ما لم يُنجز بعد، وهو كثير. الأهمّ أن نخرج من حال التلهّي بما لا يفيد. لنبقى على محبة الرؤساء دون أن نتوقّف عن القيام بما علينا القيام به لنعاين كنيسة يسوع المسيح، يومًا، كما اشتهاها هو، في انجيله أن تكون. كنيسة لا يزعزع وحدتها شرّ ولا  ينتهك طهارتها دنس. كنيسة  تحيا في الشركة. تُطبع بجمال سيّدها. تحيا كلمته حياة  لتركن إليها كلّ عائلة وتُنير ضمير كلّ شخص. كنيسة تقود شهادتها ورعايتها الفقراء الى الافتخار بفقرهم. كنيسة عالمة معلّمة وخادمة، مجرّدة من الانتفاخ ومرميـة عند أقدام الناس الذين أحبّهم سيّدها حتى الموت. 

وعلى هذا الرجاء أدعكم  للتأمّل فيما سبق طرحه شاكراً لكلّ منكم ثقته ومحبته اللتين طالما شعرت بهما.

 

 

                             

    

         

 

المشاركات الشائعة