تعليق حول الشقّ الأول من كتاب: "في سبيل كنيسة حيّة" - 2013

 رينيه أنطون – 2 نيسان 2013


حاول المطران سابا، في كتابه، أن ينقل الوجع الذي تحمله كنيستنـا على أصعدة خدمها المتنوّعة. هذا الوجع الذي يعيق الكنيسة عن تحقيق ما يُرتجى منها كواحة تعكس حضور الله في التاريخ. 

من يعرف الأسقف صاحب الكتاب يعرف أن من الطبيعي أن يذهب بتحديده الأمور الى حدودها القصوى انطلاقًا من رؤيته لما على كنيسة يسوع المسيح أن تكون عليه. فهو الأسقف الذي أحبّ الله وكنيسته حتى اختار أن لا يُشغله شيء عن خدمة الربّ ورسالته. وإن حلم بكنيسة على جمال مسيحها ومحبتّه وفداءه ونقاوة حضوره فإنّما لأنّه ذاق طعم هذا الجمال وتيقّن أنّه هو ما يجذب العالم الى أن يسلك طريق الخلاص بالمسيح عبر كنيسته.

غير أن المرء يحار أمام كون الكتاب، في الجزء الذي نتحدّث عنه، ينحصر في تحديد الوجع، وبعض أسبابه، مباشرةً أو تلميحًا، دون أن يطال سبل العلاج، أو بالأحرى دون ان يبيّن ويتوسّع فيما هو على عاتق الكاهن، القائد، وسائر الجماعة للخروج من المراوحة الكنسية الرعائية. هذا رغم أن الرؤية التعليميـة لماهيـة الكنيسة ودورها البشاريّ الرعائيّ ومحورية المواهبية فيهـا، في جسد المسيح الواحد، حاضرةٌ، في الكتاب، بامتياز. مثالا فقط، كيف للاهتمام بالفقراء أن يتخّذ بعده الرعائي الكامل الذي يدفع الى الاهتمام بشخص الفقير ومتابعته ورعايته ليترافق فعل المحبّة تجاهه (العطاء) بفعل حثّه ومرافقته في تنمية حياته الايمانية. وهل لهذا الامر من طريق غير أن يقود الرعاة شعبهم، وعظًا وممارسةً، إلى ما يُشعر الفقراء أن الكنيسة هي بيتهم الحقّ، وأنها تتميّز عن العالم بأولوية مكانتهم فيهـا؟ هل يولي أسقف أو كاهن، أو مؤمن الأولوية في الاهتمام الاجتماعي لفقير على ميسور؟ ومثالًا آخر هل يؤلمنا، شعبًا ومسؤولين في الكنيسة، عجزنـا عن أن نرفع كلّ ألم عن فقرائنا عبر أن يكون عطاؤنا، كجماعة، يضاهي ما للفقير من مكانة في قلب الهنـا. كيف؟ كيف نصل بشعبنا الى هذا التخلّي ما لم تتخلّ "مؤسسة" كنيسته قبلًا لتعلّمه التخلّي؟ أليس الاشكالية الكبرى هنا أن وعظ الرعاة، تعليمهم، لا يطال قلوب أبناء الرعيّة لأنّ عيون الأبناء لم تعاين أشكال تجسيده؟

طبعًا لا أنكر أن مسؤولية أن تعكس الكنيسة نور مسيحها لتمسح به العالم هي مسؤولية الجماعة كلّها، لكنّ الواقعية تفرض القول أنهّا، اولًا، مسؤولية الرعاة أقلّه لناحية قيادة شعب الله، بالمثال والممارسة، الى حيث يجب أن يكون، أيّ إلى المكان الذي يرضي الربّ ويفرحه، ولناحية خلق الأطر التي تساهم في تفعيل حضور سائر المواهب الكنسية في ورشة العمل الكنسي.

نجح الراعي، المختبر للرعاية، تمامًا في تصوير الواقع الرعائي والروح الفردية والتجاذبات القائمة فيه حول السلطة في الكنيسة والطاعة، وحصر أسباب فشل مجالس الرعايا، التي أصبحت لجان وقف، في التقصير بتوعية المؤمنين ليكونوا أهلًا لهذا المشروع.

إنّ من رافق هذه الخبرة يتوضّح له، إضافةً إلى ما ذكره الكتاب، ما يلي:

في موضوع التجاذبات: إن سيادة العلمانيين على شؤون الكنيسة التي وفرها لهم النظام المعمول به ما قبل نظام مجالس الرعايا أدّى الى ردة فعل اكليريكية، وبمباركة بعض العلمانيين، كانت ترجمتها تغييب العلمانيين الملحوظ، اليوم، عن المشاركة في ادارة شؤون الكنيسة. 

في موضوع مجالس الرعايا: 

إن جدّية الرعاة في تطبيق فانون المجالس لم تكن ملحوظة، ولم تتابع كما يجب سعيًا الى ازالة الصعوبات الناتجة عن ضعف وعي المؤمنين.

إنّ خصوصية قانون المجالس تكمن في كونه كلًا بكلّ، بمعنى أن هذه الخصوصية لا تبان، ولا يحقّق القانون أبعاده ويحقّق أهدافه، إلا بتنفيذ جميع بنوده، أيّ تأليف مؤتمرات الأبرشيات ومجالسها والمؤتمر الارثوذكسي العام ليجسّد الوحدة والمشاركة في الأبرشية الواحدة وفيما بين الأبرشيات. وبالتالي إن وجود مجالس رعايا منفردة سيجعل منها، بالضرورة، لجان وقف، الأمر الذي أشار اليه الكتاب، لأن اهتماماتها وآفاقها ستُحصر محليًّا وفي النطاق التقليدي.

لقد مضى على صدور القانون ما يزيد عن خمس وثلاثين عامًا، ورغم غياب تنفيذه بشكل كامل لم تعرف الى اليوم أسباب عدم بحث الأسباب ومتابعة الأمر بشكل هادف في المجمع المقدّس.

بالتأكيد لا يستقيم التعليق على هذا الشق من الكتاب قبل التعمّق في باقي أجزائه، لكون كلّ العناوين الأخرى ترتبط عضويًا بمفهوم الكنيسة الحيّة التي يرنو إليها أسقف حاول أن يجسدّ بعض معالم هذا الكنيسة في الأبرشية الأصعب بين أبرشيات الكرسيّ الأنطاكيّ.

 

 

المشاركات الشائعة