في انتقال البطريرك هزيم


رينيه أنطون - 5 كانون الأول 2012


البطريرك "الأمير"       

هذا الصباح غضب الأمير وإتّخذ قراره ومشى. 

أحسّ شيخ كنيستي بعجزه عن الثبات في الجهاد والابقاء على جسده هيكلاً برهافة الروح. فارتعب رغم شموخه الساحر وقربه من شيخ الرسل. ارتعب البطريرك! خافَ إن تعثّرَ وعجز، أن يتململ ربّه فيه ويدعَه ليُريحه ويرتاح. فهرع إلى حماية حقّه في الرواية والحبّ كما يشاء.

سجنَ البطريركُ المسيح في عينيه طامعًا بخلود فيهما. لا يظنّن أحدٌ أن همّه أن يزيح به غشاوة المرض التي حجبت عنه النظر، فالبشاعة سبق أن اجتاحت، أمامه، مساحة كلّ منظور حيث يعشق هو الجمال. همّه هو، فقط، أن يحفظ في عينيه الطين، لا بل ذلك الريق، الذي مدّ سرّ الرؤيا في عينيّ أعمى الكتاب.

لهذا أقفل أغناطيوس الرابع، اليوم، جفنيه على إيقونة العيون الدامعة للربّ، معتذرًا من سيّد الحريّة، طامعًا بدمعة تنسلّ منها تُبرق كنيسته بومضة من نقاوة الالـه، ومعها، تغسل أرض إمارته من قذارة العنف ورائحة الدماء.

فالبطريرك يعرف هوى أرضه، يعرف أنّها تحمل شيئًا من هواه. يعرف أن دمشق لم تعتد نكهة غير تلك الفائحة من أقدام بولس، ولم تمتصّ سائلًا غير ذاك الأحمر الذي انسلّ إليها يومًا من أورشليم. البطريرك يعرف تربة إمارته، ويعرف أن لا زرع يثبت فيها غير سنابل الحريّة المتمايلـة فرحاً بفعل التقاء نسيم الجلجلة بجبال السماء.

والرجل يعرف كنيسته. يعرف، في قرارته، أنها تحمل، من الأرض، بعض الحنطة وكثيرًا من الزؤان. يعرف حاجتها إلى كبار كبار في العشق، يُعمّدون نبوغهم ببساطة الربّ ويستبدلون عروشهم بمزود المغارة. يعرفها جيّدًا، يعرف حاجتها إلى الحبّ قبل العلم وإلى التلاميذ قبل المعلّمين وإلى الدموع قبل الفلسفة وإلى الصلاة قبل الكلّ. لهذا لم يمت أغناطيوس الرابع  هزيم، فشأنه شأن الكبار العالمين، حقًّا، بأنّ المسيح قد قام. هو هرع إلى المغارة يحجز مكانًا، مع الرعاة، ليقود إمارته في الصلاة قبل بدء الحكاية علّ الجنين يرتكض لصوته ويلتفت إلى الامارة بدمعة، من رحم النقاوة، تُقيمها كلّها، كنيسةً وأوطانًا، في طوفان كتابيّ جديد.  

 

المشاركات الشائعة