مقابلة مع الأمين العام

 النهار - هالة حمصي

العدد 24389 – السنة 78 – الأحد 15 أيار 2011


"حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة" تدعو إلى "ثورة محبّة حقيقيّة" 

أنطون: هاجس ملء الكنائس بالشباب وقودنا ... ولن نتعب

----------------------------------------

الثورة التي يدعو إليها الأمين العام لـ"حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة" رينه أنطون ليست كبقية الثورات. "نحتاج إلى ثورة محبّة حقيقيّة في الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة"، يقول لـ"النهار"، مؤكِّدًا أنّ "لا ثورة في الكنيسة سوى ثورة المحبّة."

هذا النوع من الثورات هو المفضّل لدى الحركة، و"لا شيء تقوم به خارج هذا الإطار. إن إلحاح وإصرار على التغيير بالمحبّة"، ووقودها تستمدّه من "ذلك الهاجس المضيء، هاجس ملء الكنائس الأرثوذكسيّة بالشباب. كنائسنا تحتاج إلى أجيالٍ شبابيّة فيها أكثر بكثير ممّا هي عليه اليوم"، على قوله. وفي مصارحة، لا يخفي أن "الحركة لم تقدر على تحقيق كلّ ما عليها. وهذا الهاجس يجب أن يجمعنا، ويجب أن نتعاون معًا ونتشارك في التفكير". ويتدارك: "ربّما وقود هذه الثورة أنّنا لن نتعب".

من البداية، كانت الحركة "حالاً إيمانيّة"، أو ما يسمّيه أنطون "تيّارًا كنسيًّا". في 16 آذار 1942، أُعلن رسميًا تأسيسها، بعد إقرار قانونها. وإذا كان "هاجسها الثابت" أن تُعرِّف الشعب الأرثوذكسيّ، وخصوصًا الشباب منهم، "إلى تراث كنيسته وفِكرها الإيمانيّ، وأن تدعوه إلى التزامه"، فإنّ أنطون يجد في نظرة تقويميّة أنّ "الحركة لا تزال تنجح، إلى حدّ مقبول، في ترجمة هذا الهاجس، لأنّها تضمّ حتى اليوم فئة كبيرة جدًّا من الشباب". عدد أعضائها "بالألوف" يقول. وبعد 69 عامًا على تأسيسها، تنتشر في مختلف الأبرشيّات الأرثوذكسيّة في لبنان وسوريا، وبدأت تحقّق خطوات في دول خليجيّة.

وإلى هاجسها الثابت، كانت لدى الحركة على مرّ الأعوام "هواجس متحرّكة". "الهمّ الرعائيّ" قادها إلى العمل على تطوير القوانين الرعائيّة. يقول أنطون: "قانون مجالس الرعايا والأبرشيّات الصادر العام 1973 متقدّم قانون 1955، لكنّ المشكلة أنّه لم يطبَّق كما يجب. لقد طُبِّقت شذرات منه. لذلك لا يزال هاجسًا". وثمّة هاجس ثانٍ يتمثّل في أن "يكون للمؤمنين دور في حياة كنيستهم"، وثالث "الالتزام والشهادة الإيمانيّة لشباب الحركة".


صراعات فكرية

وتجاه استمرار مثول الهواجس في وجدان الحركة، يلحّ السؤال عن حقيقة قدرتها على تحقيق تغيير ما، أو عن القدر الذي يسمح به إكليركيّون لعملها. وأوّل ما يقوم به أنطون هو "تصويب السؤال". "الحركة لم تحاول في أيّ مرحلة أن تربّي على المواجهة بين الإكليركيّين والعلمانيّين. الكنيسة واحدة. ومن حيث الممارسة، فإن الضعفات الإنسانيّة تُظهر في النهاية أمورًا على غير حقيقتها وهويّتها، بما يسبّب نوعًا من التجاذبات أو الصراعات الفكريّة.

وهذه الصراعات قد لا تكون بين إكليركيّين وعلمانيّين فقط، على ما يلفت، "بل يمكن أن تكون بين علمانيّين لديهم فكر أكثر إكليركانيّة من فكر الإكليركيّين، أو بين إكليركيّين يصبّ فكرهم في خانة مشاركة كلّ أعضاء الجسد الكنسي في حياة الكنيسة أكثر من بعض العلمانيّين". ويتدارك: "المسألة مسألة حوار، ويمكن أن يكون أخذ أحيانًا بعض المظاهر الحادّة، لكنّه يبقى حوارًا حيويًّا في كيفيّة تفعيل حياة الكنيسة". وهذا الحوار لا يزال مفتوحًا"، و"لا تزال الإشكاليّة قائمة، وتحديدًا على صعيد حضور المؤمنين إلى الكنيسة"، على ما يرى. وما يقصده بـ"حضور المؤمنين" لا يعني به "حضور العلمانيّين"، بل "المؤمنين، أيًّا كانوا، من تهمّهم الكنيسة وهم حاضرون في حياتها". ويذهب إلى المصارحة: "حتّى اليوم، لا يزال هذا الحضور غير فاعل". أما السبب فيربطه بالمعوقات أمام تطبيق قانون 1973. "لقد واجه الرعاة صعوبات عمليّة على مستوى عقليّات اجتماعيّة في الرعايا. وهذا العائق العقليّ قد يكون أنتج توتّرات ميدانيّة"، يشرح. ويضيف أسبابًا "غير مباشرة"، منها "عدم وجود اقتناع عميق وفعليّ لدى رعاة بتطبيق القانون". وإذا كانت الحركة شعرت بأنّها مكبّلة تجاه هذا الواقع، فإنّها "تتحرّك مجدّدًا على هذا الصعيد"، على ما يؤكّد، و"أملنا في أن يكون تحرّكنا فاعلاً".

في مؤتمرها العام الثاني والأربعين الذي عقدته قبل أشهر، ناقشت الحركة هذا الموضوع، وشكّلت لجنة متابعة لوضع خطّة. وبعدما أنجزت اللجنة مهمّتها، عقدت الحركة لقاءً رعائيًّا آخر في 19 آذار الماضي، اطلعت خلاله على تقرير اللجنة، "للبدء بخطوات عمليّة". والتوجّه إلى الرعاة "أُولى الخطوات التي سنحاول تحقيقها، والبقية رهن بمدى التجاوب"، يقول. التحدّيات يدركها جيّدًا. "فقد تكون هناك صعوبات مع رعاة، في مقابل تجاوب وتفاعل مع آخرين. وقد تكون هناك أيضًا صعوبات مع غيرهم. الأمر يتوقّف على الأشخاص والاقتناعات".


نظرة ثقة

مسيرة الـ69 عامًا تُلقي على مستقبل الحركة نظرة ثقة. "لا أحد ينكر"، على ما يشير أنطون، "أنّ جزءًا كبيرًا من التغييرات التي شهدتها الكنيسة كان بتأثير من الحركة، وببركة إلهيّة. وهذا التغيير لا يزال قائمًا، من خلال ما تتيحه من التزام إيمانيّ". قوّتها التأثيريّة في الأشخاص تؤكّد فاعليّتها. وعلى مستوى الفاعليّة الاجتماعيّة يعتقد أنّ الحركة "أكثر تأثيرًا ممّا كانت عليه سابقًا. ويُقاس ذلك من خلال حضورها الاجتماعيّ ومؤسّساتها وعملها". أمّا على مستوى القرار الكنسيّ، "فقد يكون تأثيرها مختلفًا عمّا كان عليه سابقًا"، يلاحظ. "أعزو الأمر إلى أنّ هويّة الرئاسة الكنسيّة اختلفت اليوم. هناك فئة كبيرة من الرعاة باتت متعلّمة، ومن الممكن أن يكون قسم منها يجد أنّه في غنى عن الاستماع إلى غيره، لاعتقاده أنّه يملك ما يكفي من المعرفة والسلطة. وقد أجبنا عن هذا الموضوع بالقول أن إدارة الكنيسة والحياة الرعائيّة فيها مرهونتان بكلّ تطلّعات الجماعة". ويضيف أيضًا إلى الأسباب الممكنة، "هويّة حركيّين، أخطاء متبادلة، مفاهيم إكليركانيّة مؤثّرة تحصر مسؤولية العمل الكنسيّ في الإكليركيّين".

الشكوى أعلنها أنطون خلال المؤتمر الأخير للحركة: "هناك أزمة في الكرسي الأنطاكيّ ... ثمّة تفلّت من القوانين الكنسيّة وتصدّر للفكر الإكليريكانيّ. ولهما تداعيات ...". منذ ذلك الوقت، لاقى كلامه "صدى إيجابيًّا حركيًّا. ولكن على المستوى الكنسيّ، "لم أتبلّغ صدى إيجابيًّا، وقد يكون أثره سلبيًّا في بعض الأمكنة"، يقول. كان يتوقّع هذا الأمر، ورغم ذلك لم يتراجع. "سنحاول أن نحاور الرعاة في شأن هذا الهاجس الملحّ، وأن نبيّن لهم لماذا هو هاجس، ولماذا يجب التعاون كلّنا على معالجته. وإذا أرادت الكنيسة الأرثوذكسيّة أن تقوم بالدور المرجوّ منها في القرن الحادي والعشرين، فلا بدّ من ورشة تفكير وتطلّعات  وخطط شركويّة. نحتاج إلى أن "نتكامل مع بعضنا البعض إذا أردنا أن نكون أُمناء ليسوع المسيح".


 

المشاركات الشائعة