كلمــة - ورشــة العمـل الاعلامية

رينيه أنطون  - 2008


بداية أعبرّ عن فرح كبير بهذا اللقاء وأشكر الله عليه خصوصًا لسببين:

أولًا لأنه، ككلّ لقاءاتنا، يُنعم علينا الله فيه بأن نلتقي وجوهًا بعضًا الى بعض، ولقاء الوجوه  هو من  مؤشّرات الحيوية في حياة الجماعة التي هي من نعم الله الكبيرة علينا حيث، بهذه الحياة، نحصّن ذواتنا في وجه الضعفات والمغريات لنكون أكثر تأهّلًا للخدمة التي انتدبنا الله لها. ولذلك نحن نعتبر دائمًا بأن هدفًا أساسيًا يتحقق بمجرد انعقاد أي لقاء، وبغض النظر عن مضمونه، وهو تكريس وجه من وجوه حيوية حياتنا كجماعة.

ثانيًا لأن لهذا اللقاء الأول خصوصية غير مسبوقة. فهو الأول من نوعه في حياتنا الحركية. لا تكمن أهميّة الأمر في كوننا نحقق، عبره، سبقًا مع تاريخنا الحركيّ أو تفوّقًا عليه.  فنحن، بالتأكيد لسنا بحال التسابق والمزاحمة مع هذا التاريخ. نحن أبناءه وندرك كم هو غنيّ  بالومضات والمبادرات والانجازات التي ساهمت في بناء كلّ  منّا والتي منها اكتسب كلّ منّا ما يُشع به بشكل أو بآخر. 

  لكن أهميّة انعقاد هذا اللقاء للمرة الأولى تكمن في ما يؤشّر اليه من  بداية انتقال الجسم الحركيّ  من مرحلة اللامبالاة  بشأن شهاديّ هامّ جدًا في يومنا هو الاعلام الى مرحلة بداية الاهتمام به. وهذا يدلّ الى أن هذا الجسم  استطاع أن يتخطّى تقليدية ممارسة تاريخية أعاقت وحجبت تأثيره  وفاعليته في العديد من ميادين ومطلات الحياة وبدأ السير باتجاه تفعيل حضوره في هذه المطلات وإن بحجم أو بشكل متواضع او متفاوت ما بين هذه المحلّة أو تلك أو بين الفروع والمراكز والأمانة العامة. وهذا في حقيقة الأمر يُنسب الى الجهد الاستثنائي، الذي تبذله أسرة الاعلام عمومًا والأخت حنان عبدو خصوصًا والذي أتوقّف عنده بتقدير كبير.

فمن يعايش يوميات حياتنا الحركية يدرك كم أهميّة أن هذا الهاجس، أعنى الاعلام أم غيره من  مطلات الحياة التي لم نعتد الاهتمام بها، قد بدأ يولد في ضمير الجماعـة الحركية ولم يعد حكرًا على قيادي أو مسؤول، هذا ولو اختلفت  القناعة بسبل الحضور فيه أو قنواته بين هذا الأخ أو ذاك. وأنا أرجو هنا، وبعمق، أن ينمو هذا الهاجس كما يجب ليصير بحجم التحدّيات التي تطرحها أمامنا مطلات الحياة، غير التقليدية، وخصوصًا منها  تلك المرتبطة  بالحداثة ومتفرعاتها.

ولعلّه يجب التوضيح هنا  بأننا، على صعيد الاعلام، لا نقتحم الحياة الحركية بما هو غريب عنها أو عن مبادئها، والدليل أنها  ليست المرّة الأولى التي تحاول الحركة فيه التعاطي بالموضوع الاعلامي. قارب هذا الموضوع أكثر من أمين عام في تقاريره، وبُحث أيضًا في موتمرات حركيـة متعدّدة، وهناك ورقة حركية حوله صادرة عن أحد المؤتمرات ومدرجة في كتاب أنطاكية تتجدّد، كما أن الحركـة ولجت، تقريبًا منذ تأسيسها، في وجه من وجوه هذا الشأن هو النشر عبر اصدار مجلة النور وتأسيس منشورات النور. لكن حتى وجه النشر هذا لم يلقى  الصدى المطلوب لدى الشريحة الأوسع من الجماعة وبقي الى حدّ كبير يعني بعض النخب الحركيـة. وهذا يشير بشكل أو بآخر الى الصعوبة التي قامت دائمًا في وجه تعميم الاهتمام بهذا العمل وتطويره.

 ما نركّز على الاهتمام به اليوم ونتحدث عنه هو وجوه الاعلام المحيطة بحياتنا فترة كبيرة جدًا من الوقت. الاعلام المرئي، بفضائياته المختلفة،  الى الانترنيت ومتفرعاتها من صفحات و فايس بوك وبريد الكتروني وغيره، الى الاعلام المرئيّ و المكتوب والمسموع، هي وجوه  ترافقنا وتعاشرنا، اغتصابًا أو إراديًا،  أوقاتًا طويلة من يومنا. وقد أكسبها التطوّر و الحداثة إمكانات ومؤهّلات خيالية واسعة أقلّها القدرة على استيعاب حجم هائل من المعلومة وقدرتها على ايصالك وربطك بمجتمعات العالم كلّه وأشخاصه. فهذا المُغرى الذي تتحلّى به، مضافًا الى كثافة العشرة القائمة معها،  يُخرجانك من حال الحياد حيالها. فالتحدّي الأهمّ الذي يفرضه علينا هذا الواقع الاعلاميّ  هو أنه يضعك أمام خيار  واحد هو إما أن تكون مبادر إزاءه ومستعملًا له فيما يخدم حياتك وهمومك وأولوياتك وإما أن تكون متلقّي ومُستعملًا منه. والبرهان على هذا الأمر كم هي نسبة الشباب التي تحيّد نفسها عن الغرق بالتفاهة التي يفرزها الاعلام، اليوم، لا بما يمكن أن يكون وجوه إفادة.  وكم هي نسبة العائلات، التي مهما بلغت نسبة التزامها تستطيع أن تحيّد أبناءها عن هذه التفاهة وتدفعهم باتجاه تخطّيها.  هي نسب نادرة جدًا ولهذا أنا أرى أننا أمام خيار إما أن نكون مقتحَمين بما يريد أن يصل الينا به صانعو الاعلام وإما أن نكون مقتحِمين له بما نريد أن نصل به الى العالم عبره. ولا نستطيع أن نكون إلا أبناء الخيار الثاني لأننا أبناء الالتزام الايمانيّ، الذي هوأسمى أنواع الالتزام، الرافض للميوعـة  والتفاهة والذي لديه ما يقوله في كلّ وجوه الحياة.

من هنا أرى أن من الغباء أن تتجاهل الجماعة الحركيـة، كما أي جماعة مؤمنة أخرى، أو تتجنّب التعاطي والتفاعل مع المطل الاعلامي الى الحدّ الأقصى، أي الى حدّ تعميده بنور يسوع المسيح لتجعله في خدمة البشارة. وافتراضًا إذا كانت بعض أسباب الاحجام عن هذا الأمر هو شعور بعضنا بتناقض ما بين الايمان ومنتجات الحداثة فدعوني أقول هنا أن ما من شأن، مبدئي أو أخلاقي، يمنعنا من الاستفادة من كلّ منجزات الحداثة، وعلى أي صعيد كان، لتسهيل حياتنا الشخصية والعائلية والجماعية وتسهيل خدمة أهدافنا البشارية على هذه الأرض. فنحن لسنا في موقع المعادي للانجازات العلمية ولا نرى تناقضًا بينها وبين ايماننا بالله. بل بالعكس نرى أن منبعها، كوجه خلق وابداع انساني، هو الله الذي هو منبع كلّ  ابداع وجمال ولهذا فهي، بالتأكيد، من تعابير وثمار حضور الله في الأشخاص والأرض. أمّا الخطر الذي نحن أمامه فهو أن نساهم إما بلامبالاتنا تجاهها أو بسوء استعمالها بجعلها منبعًا للشرّ تشيّئ الانسان بدلًا من أن تحرّره من صعوبات حياته وتخدم أهدافها.

 قد تكون هذه الرؤيـة ليست بالضرورة هي ما يتحكّم بضمائر أصحاب هذا المنجزات، لأن الأمر الأكثر احتمالًا  إنها ترتبط لديهم برؤية اقتصاديـة ترتكز الى الاستهلاك. لكنني أملك الحرية والقدرة أن لا أخضع لالية الاستهلاك، ومثالًا حيـن أستفيد من الخليوي، مثلًا، لخدمة حياتي وبشارتي دون أن أساهم بتحقيق الهدف الاستهلاكيّ من اختراعه بأن ألهث كل حين خلف اقتناء أحدث آلاته فأنا معمِّد بشكل أو بآخر لهذا المنجز، إذ يسّهل عليّ، في الحال هذه،، شؤون التواصل ويسرّعه بما قد يجعل من  خدمتي أكثر فاعلية وانتشارًا وثمارًا . أما في حال العكس فأنا مساهم في تحويله منبعًا للشرّ لأنني مساهم في جعله وسيلة لتشيئ ذاتي وجعل انسانيتي مسخّرة لخدمة الأشياء.

 ارتكز الى هذا لاقول أن ما من شأن يمنع أو يعيق عن أن يكون الاعلام، اليوم، قطاعًا  بشاريًا يوازي أهمية قطاعات عملنا وبشارتنا الأخرى،  العمل الاجتماعي أو الارشادي أو الرعائي أو الثقافي، خصوصًا بسبب الامكانات التي يضعها في تصرّفنا حيث نساهم من خلاله في خدمة بناء الشخص والجماعة والشهادة للمسيح في العالم ارتكازًا الى رؤيتنا الحركية ومتفرعاتها ومتطلّباتها.

ولأن الوسيلة دائمًا هي في خدمة الغاية يبقى الأهمّ  هو مضمون ما نُعلم عنه، من هنا ضرورة، قبل أن أنتقل الى بعض الوجوه العملية، باختصار، أن أختصر بأسطر هذه الرؤية الحركية، التي نتحدّث بها كثيرًا، بأسطر بالقول :  إنها أن أعي وأدرك كمّ هي محبة يسوع المسيح اللامتناهية لي، وأن يدفعني هذا الادراك الى السعي لمحبته والالتصاق به الى حدّ أن أصير به ألف وجودي وياءه. أيّ أن أنطلق منه واتطلّع اليه في كلّ خطوة ووجه من وجوه حياتي. وهذا السعي اترجمه، في بعض وجوهه، التزامًا في عضوية جسده أي الكنيسة، بكل متطلّباته، وبحثًا دائمًا عن معرفته بشكل أعمق وأكبر وتبشير العالم به من خلال عكسه له فضائل عيش وخدمة وتعليمًا وتعريفًا به عبر حضوري بفكره، هو، في كلّ وجه من وجوه حياة العالم. في خضمّ هذه الورشة تبرز الجماعـة كمساحة تعبير عن الشركة مع المسيح والاتحاد به فتفعل فيها محبتي له خدمة وعطاء ومشاركة، الأمر الذي يُسهم في تحريري من أنانيتي، وتفعل من خلالها محبة الله  فيّ  دعمًا لجهادي واحتضانًا وتعزية. 

على هذه الرؤية ترتكز وجوه عملنا الحركي كلّها، منها تنطلق والى ترجمتها حياة تهدف. ولذلك فإن أهداف كلّ وجوه عملنا الحركيّ واحدة أما الأطر وا\لأبواب والقنوات فتتعدّد والاعلام هو أحدها. 

 دائمًا، انطلاقًا من رؤيتنا، نرى أننا مدعوّون، في عملنا الحركيّ، الى مقاربة صعيدين، إضافة الى الصعيد الشخصي، لتجسيد الالتزام وتغذيته: هما صعيد الجماعة  وصعيد المجتمع والعالم.

ففيما يخصّ صعيد الجماعة، أي الحياة الكنسية والحركية الداخلية، يجدر التوضيح أن الهدف من اي عمل حركيّ، ارشادي، اجتماعي، تعليمي، اعلامي هو تعزيز بنائها وترسيخ وحدتها كي يستقيم دورها ويتفعّل. ومن أراه معني بالدور الاعلامي على هذا الصعيد هو الكلّ من الأعضاء الى الفرق الى الأسر والقطاعات الى الفروع الى المراكز ووصولًا الى الأمانة العامة. أي المطلوب أن يعلم كلّ من هؤلاء ما يقوم به الآخر ويفيد في ورشة البناء هذه.

وهنا أطلّ مثالًا وشرحًا على المفاعيل المهمة لنقل الخبر الحركيّ انطلاقًا مما نقوم به عبر البريد الالكتروني والقسم الاخباري لصفحة الانترنيت. أهميّة الخبر  أنه يُشرك أعضاء الجماعة في أحداث واهتمامات بعضهم البعض الأمر الذي يُسهم في تعميق معرفتهم بعضهم ببعض وترسيخ وحدتهم. وأهميّته أيضًا أنه يلفت أعضاء الجماعة الى مبادرة قامت هنا أو خطة اتخذت هناك قد يكون بها دلالة وتوضيحًا لآفاق وأهداف حركية قد لا تكون، بالضرورة، واضحة هنا وهناك. وهذا ما قد يؤدّي الى كشف وتوضيح ماهية الهوية الحركية للبعض الأمر الذي يُسهم في استقامة بنيان الجماعة. وقد نعي أكثر أهميّة الخبر الحركيّ إن أدركنا أننا نفتقد في كثير من فروع مراكزنا أو لدى الكثير من أعضائنا وضوح الهوية الحركية لديهم.

لذلك أرى أن المسؤولين الحركيين، كلّ على قدر مسؤوليته، ملزمون بمدّ هذين القطاعين  أو أي قطاع اخباري آخر بأخبار أسرهم وفروعهم ومراكزهم وبايجاد الالية العملية لذلك علّ فيها ما يُسهم في هذا البنيان ولكيّ لا نكون، على هذا الصعيد  مقصّرين في محبة الجماعة والعمل على وحدتها وبنيانها.

المساهمة في وحدة الجماعة وبنيانها شأن يقوم به أيضًا القسم التعريفيّ بالحركـة من صفحة الانترنيت، اذا جازت التسمية، التي نكاد ننتهي من أنجاز تطوّر ملفت في شكلها ومضمونها الأمر الذي أغناها بما يشدّنا  ويشدّ الآخرين أكثر اليها.  فاستنادًا الى كلّ ما سبق ولسبب البنيان والوحدة وأهميّته أرى  أن المراكز الحركية ملزمة بالتجاوب مع ما نسعى اليه منذ سنوات وهو أن تمدّ هذه الصفحة بما يعرّف عن نشأتها وتاريخها وميزاتها ومبادراتها وخصوصياتها الحركية. علينا أن ندرك أن كلّ مفصل من مفاصل يومنا وتاريخنا ليس ملكًا لأحد منا أو محلّة. إنه ملك لهذه الحركة، لكلّ جيل فيها وعضو، وحيث ما هي ممتدّة في ارجاء هذا الكرسي الأنطاكيّ. وبسبب هذا الادراك ربما علينا أيضًا أن نتوجّه، على صعيد الأمانة العامة، الى استكمال القسم التعريفيّ واغناء الأبواب التعليمية والارشادية بادراج كلّ الأعداد الصادرة عن مجلة النور والأوراق الحركية وكلّ ما يخدم الجماعة والأشخاص في أرشيفنا الحركيّ، في هذه الصفحة.  

فمن يعي حجم النقص في الطاقات التعليمة لدينا، وحجم أزمة الكتاب والمطالعة، وكم شكينا من هزالة الفكر لدى أجيالنا الشبابية يدرك أهمية الأبواب التعليمية والارشادية والفكرية المدرجة فيها وضرورة اغنائها بالمواد المطلوبة ويعاين كم هو حجم الخدمة التي يمكن أن تقدّمها لنا هذه الصفحة في حال كان تفاعلنا معها على المستوى المطلوب. ليس شأنًا عاديا،ً مثالًا وليس حصرًا، أن يمكنك الاطلاع على فكر كوستي بندلي وقراءة كتابات مبوّبة، متعدّدة وغنيّة له في أي لحظة تريد على هذا الصعيد، فكمّ  يساعدنا هذا الأمر على تغطية النقص في الطاقات التعليمية في فروعنا ومراكزنا وجهّنا شبابنا وتابعنا معهم السعي لتكثيف عشرته.

وهنا أطلّ على مسؤولية كلّ منا الشخصية ازاء هذه الصفحة  لانطلق منه الى شأن الاعلام الشهادي الموجّه لمجتمعنا والعالم. فإن كنّا حقيقة على قناعة بهذا الالتزام وبالحركـة، كقناة تعبر بنا الى يسوع المسيح والخلاص، أمسى لدينا، عبر صفحة الانترنيت،  ما يشكّل باكورة  اطلاع متنوّع وكافٍ للآخر على الحركـة ومنطلق للحوار والتفاعل معه حول شؤون الايمان.  ليس المهمّ أن نطورّاعلامنا وحسب، المهم أيضًا أن نعمل على تعريف العالم بوجوهه كي يُتمّم دوره.

أنا أقول هنا أن كلّ حركيّ، عضو كان أم مسؤول، هو معني ومدعوّ للمشاركة في محو ذيول تقصيره، وعامة الحركيين، لسنوات وعقود خلت، في التعريف بالحركـة ووجوه شهادتها. نحن كنّا نعيش، حتى الأمس القريب، وربما الى اليوم، حقيقة مؤلمة  لا تُفهم أسبابها أو تُبرّر وهي الجهل،  في المجتمع الذي يحوط بنا، بماهية الحركـة ومحوريتها ودورها في الكنيسـة.

نحن  نبادر الى معالجة هذا الجهل ليس من أجل الحركـة ومن اجل الاعتزاز بانجازاتها وذواتنا. نحن نتوجّه الى معالجة هذا الجهل انطلاقًا من قناعتنا بمشيئة الله وارادته أن نعرّف الناس بما دلّنا هو اليه كطريق قويم نحو تلّمس محبته وعيشها. أن ندلّهم الى قناة تضعهم في الطريق الى يسوع المسيح الى حيث يكمن الخلاص. من هنا نحن، عبر سلوكنا قنوات التعريف بالحركة والاعلام عنها لا نبشّر بالحركة بل بالذي وجدت  الحركة من أجل أن تحمل الناس اليه وتنشر محبته بينهم.

وترجمة لسعينا هذا كان المنتدى الحركي الذي أطلقناه في اذار الماضي بهدف انعقاده سنويًا. فخصوصية هذا المنتدى التي يجب أن يحافظ عليها هي  برأيي، أنه خاطب الناس بفكر الحركة وثقافتها، أي بفكر المسيح والثقافة المستمدة من حضوره في حياة كنيسته وتراثها وتقليدها، انطلاقًا من  موقعهم ومما يعنيهم من هموم وهواجس.  بمعنى آخر خاطبنا رجال الفكر والاعلام بلغة الفكر والثقافة وباطلالة اعلامية لائقة. وقد نخاطب رجال الأدب بلغة أدبية لابراز النفحة الادبية في تراثنا، وقد نخاطب الشرائح الرعائية الأخرى بتبيان مساهمتنا ودورنا على هذا الصعيد. المهمّ أن نلتفت، بعد اليوم،  الى أهميّة أن نطلّ على المجتمع  للتعريف بحركتنا والبشارة بالمسيح انطلاقًا من  هموم المجتمع والعالم بلغة تخصّه ومضمون يعنيه وشكل يشدّه. 

ولعل هذا التوجّه هو ما يجب أن يحكم تعاطينا بوجوه الاعلام المرئي والمسموع يوم تسمح لنا الامكانات والظروف ذلك. علينا أن نؤسس لاعلام ايماني تتجاوز رؤياه الاعلام الديني باتجاه أن تنبع مقاربته للمواضيع والأمور من الهموم اليومية المعاشة للناس وباتجاه أن يساهم في استقامة نظرة الناس للدين وتحريرها من التشويه اللاحق بها من خلال اعتبار الدين ووجوه الايمان، دائمًا في موقع المقابل والمناقض لاهتمامات الحياة وحاجاتها.

السؤال المركزي الذي يطرح نفسه علينا: الدينا ما نقوله في كل وجه من وجوه هذه الحياة أم لا ؟ اذا فلنجيب عمّا يقتحمنا به العالم من مفاهيم ورؤى بمدّ مفاهيمنا ورؤانا الى قلب اهتماماته وحاجاته وصعوبات حياته وانجازاتها. حين كتب كوستي بندلي بشؤون الجنس والعنف والتربية والاستهلاك استبقنا، عقودًا، في هذه المهمّة التي علينا القيام بها. ربما علينا أن نحاول ترجمة توجّه كوستي بندلي الى عجن هموم الناس بالفكر الايماني اعلاميًا باتجاه بناء أطر ومطلات لذلك.   ومن هنا تأتي ضرورة التوجّه لتأسيس مكتب اعلامي يطلق آلية التفكير في هذه الخطوات واطلاق حوار حولها وتنفيذ ما يُتّفق عليه.

  

المشاركات الشائعة