لنبادر

رينيه أنطون

مجلّة النور - العدد الرابع 2004


خاطبت ضمائرنا مضامين الكلمات التي أُلقيت في احتفالات الذكرى الثانية والستّين لانطلاقة الحركة. ولاسيّما تلك التي يؤكّد منها تجديد الثقة بدور الحركة ومسؤوليّتها عن المبادرة إلى إطلاق خطوات تساهم في ترسيخ وحدة الكنيسة الجامعة.

فقد أطلق سيادة المطران إلياس (قربان) صرخة ألم، نشاركه جميعًا فيها، ممّا يسود الكنيسة الأرثوذكسيّة الجامعة من انقسامات وخلافات داعيًا الحركة إلى البحث، عبر سندسموس، عن سبل جمع رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة الرسوليّة والمستقلّة لمعالجة هذه الخلافات وإنهائها. كذلك وضع الدكتور نجيب جهشان في أيدي الحركة بعضًا من آمال اختراق العولمة وترسيخ التواصل بين أرثوذكس العالم بهدف تفعيل الشهادة المسيحيّة في كلّ مكان.

هذه الهواجس همّ طالما رافق شهادتنا. لكن أن تأتي الدعوة من سيادة راعٍ أغدقت محبّته ورعايته علينا الكثير من حرّيّة القول والفعل، وأن تأتي الدعوة من طاقة علميّة كنسيّة أغدقت على الحركة، في أكثر من مناسبة، ثقة كبيرة، فهذا يشير إلى أنّ الجماعة الكنسيّة، لا تزال ترتجي من الحركة الشيء الكثير ما يضعنا أمام مسؤوليّة كبيرة، خلاصتها تكمن أقلّها في ضرورة تجاوبنا وإطلاقنا عددًا من المبادرات الهادفة إلى ما يحرّك ورشة الحوار الهادف لبلسمة جراح الكنائس الأرثوذكسيّة وتفعيل بشارتها أيًّا كانت نتائج هذه المبادرات. فالصعوبات التي تعترض التوصّل إلى نتائج مرضية لأيّ عمل لا تعفينا من مسؤوليّتنا، كأعضاء في الكنيسة، عنه.

في حال تجاوبنا مع هذا الأمر يكون عيد الحركة، هذا العام، قد شكّل منطلقًا لنا من أجل تغيير جذريّ يطال همومنا واهتماماتنا ليوسّع آفاقها، ويعيد الانتقال بها من حال الالتزام المحلّيّ إلى حال الالتزام الجامع. لأنّ أهمّ ما يتطلّبه إطلاق مبادرات كهذه، أن يكون الحركيّون جميعًا، لا قياداتهم فقط، وبمختلف شرائحهم، على قدر من الوعي والمسؤوليّة. فالواقع أنّ الهموم الأرثوذكسيّة الجامعة والأوضاع المسكونيّة، كما سائر الشؤون الكنسيّة غير التقليديّة، لم تشكّل أولويّة في توجّهات المسؤولين والمربّين الحركيّين في الفروع في الأعوام الأخيرة. وربّما يكون مردّ ذلك يعود إلى عدم مواكبة المسؤولين أنفسهم هذه الأوضاع بسبب نقص المعلومات عنها وإغفال الإعلام المتوفّر لمواكبتها. ذلك من دون أن نهمل الأسباب الأخرى، ومنها الغرق في الاهتمامات المحلّيّة.

ولكَوْن غيابنا عن هذا الهاجس، أيًّا كانت أسبابه، يعكس تهميشًا لإيماننا بالكنيسة الجامعة المقدّسة الرسوليّة، ويشير إلى ضعف أمانتنا للمحبّة الأولى التي سعت كثيرًا إلى تجسيد هذا الإيمان، فقد باتت إعادة تفعيله إصلاحًا لخلل يعترينا. ولذلك وجب علينا، اليوم، إدراجه في صلب برامجنا مجتمعين حوله، دوريًّا، كما نجتمع حول أيّ شأنٍ إيمانيّ أو دراسيّ أو تربويّ آخر. كذلك وجب علينا أن نؤهّل ذواتنا، أفرادًا وجماعة، لنستحقّ هذه الثقة. ومنطلق التأهيل هذا أن نفعّل التربية على الحوار والانفتاح بين المدارس الفكريّة المتعدّدة في صفوفنا بخاصّة وفي أنطاكية بعامّة. فما لم تترسّخ هويّة الحركة الأنطاكيّة كفسحة حرّيّة وتفاعل ولقاء في المسيح فمن أيّ منطلق سنبادر؟ وربّما علينا أخيرًا ألّا نحتكر المبادرة بطاقاتنا المتواضعة، فنشرك سائر الطاقات، في الكنيسة، في هذه الهموم وغيرها، ساعين إلى تأسيس ورش حوار وتفكير تجمعنا مع كلّ من أنعم الروح عليه بالإيمان والعلم والمعرفة والسلوك الحسن، وذلك لكون الشهادة لاستقامة الرأي، في عصر العولمة والعلم، تتطلّب الكثير من الإبداع.

فلنبادر، حيثما نحن وكلٌّ من موقعه، إلى تلبية النداء كي لا يلفظنا الروح.

 

 

 

المشاركات الشائعة