ليسَ اليوم
رينيه أنطون - 14 حزيران 2025
تُعيدني أحداث المنطقة إلى
أوائل السبعينيّات من القرن الماضي، وساحات العمل الطلّابي، حيث بدأت قضيّة فلسطين
تتفتّح روحَ عدالةٍ فينا.
كانت نكسة العام 1967 ما زالت
حاضرةً جدلاً حادًّا في الأفواه، وغضبًا في النفوس ودموعًا في عيون الأجيال. كانت
الأفكار القوميّة واليساريّة تتصاعد من رحِم الهزائم الكُبرى لتدفعَ بالأحلام
البريئة في الشباب إلى ما بعد حدود أوطانها. فقضيّة أمّ المظلومين، فلسطين، كانت
تشدّ كلَّ ضحيّة ظلمٍ وتُجنّده دفاعًا عن قضايا الحقّ في أيّ مكان.
يومها، عمَّ نهوضٌ وبرز وعيٌ
بين شرائح الشباب. إصطفَّ كثيرون منهم في صفّ الحقّ، وإن أتى كلٌّ منهم من مُنطلقٍ
ومكان. حضرت أمَمٌ في بلدان، وسكنَت بلدانٌ ضمائرَ أمم. ظُنَّ للكثيرين، الآتين من
حيث نأتي، أنّ تجلّي النصرَ في الأفق بدأ يلوح، وأنّنا، مِن الحجّ إلى الأرض التي
وطأتها قدما إلهنا، قريبون.
لكنّ الوقت لم يطل حتى بدأ
احتجاب الجمال في الأحلام. صادرَ كثيرون القضيّة، وباسمها، أسّسوا الديكتاتوريّات.
أُعدِم معارضون وزُجّ آخرون في السجون. تأسّست شراكات بين ثروات الأوطان وجِيَب
الحكّام. اندلعت حروب. شُرِّعَت حدود. دُمِّرت بلدان، ملايينٌ سقطوا جَرحى وضحايا
وشهداء، وضاعت هويّة القضيّة في كثرة الهويّات.
ففلسطين، القضيّة، الحرّة
المُرتجاة لم تسقط مع إضعاف محورٍ، أو سقوطه، اليوم. سقطت منذ أن
صارَت، يومًا، حجّةً لظلمٍ جديد، سببًا لتسلّط حكّام، ركيزةً لقلاعٍ وسجون،
وذريعَةً لنهبِ ثروات الشعوب. فلسطين القضيّة سقطت منذ ذلك الحين، وزادَ سقوطُها
سقوطًا يومَ انتَفَضت الحجارة على السلاح، فاُنتُزِعَت من أيادي الرامين الأطفال.
أمّا "إسرائيل" فلا
عبور لها إلى ضفّة الخير والحقّ مهما قوَت. فالظالم، إن ربحَ، لا ينتصر. ضحاياه
قائمون، أما هو فمآله، أبدًا، الموت.