لئلّا يبرد الروح
رينيه أنطون - 21 حزيران 2025
أمس،
وفي إطار زيارته إلى الكرسيّ الأنطاكيّ، زار وفد ٌ من أبرشية أمريكا الشماليّة برئاسة
راعيها المتروبوليت سابا (إسبر) حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة في الميناء. هدَفَت
الزيارة إلى تعريف أعضاء الوفد الذي ضمّ عشرات من كهنة الأبرشيّة وخرّيجي وطلاّب معاهد
الّلاهوت فيها بالحركة، هويّةً وشهادة.
ولفتَ،
في اللقاء التعريفيّ، شهادةٌ قصيرة من المطران سابا حول دور الحركة المركزيّ،
والأبعاد الوحدويّة فيها، في نشأته الكنسيّة، وشغَفُ الزائرين بالخبرة الحركيّة.
هذه
الزيارة، بمجرياتها، أشعَرتني بكونها دلالة إلى أنّ الحركة، في ذاكرة كنيسةِ
أنطاكيّة وضميرها وحياتها، هي لوحةٌ جميلةٌ يرتجيها الروحُ، عبرَ النبضِ الكنسيّ
الحيّ، في حياة الكنيسة أينما كانَ وأبدًا، ,وإنْ أقرَّ الكلّ بذلك أم لم يُقرّ.
هذا،
ليسَ بسببٍ للافتخار والادّعاء، كما أنّ الطرحَ ليس لهذه الغاية قطعًا. فنحن، في
الحركة، نعي ونُدرك ونتحسّس ونؤمن بأنّ ما من جمالٍ في الحركة، كما في الكنيسة،
إلاّ وهوَ من الله فيها وليس من أحدٍ منّا أيًّا كان شأنه. فدونَ الروح فيها،
الحركة لا شيء، لا شيء. ونحن في يقين بأنّ، عبرَ وجودنا في الحركة، إنّما نَهلنا
ما لا نستحقّ مِن نِعم الله علينا دونَ أن نملك ما نُنعم به على أحد.
لكنّه
سببٌ يضعُ كلٌّ منّا أمامَ مسؤوليّته الكُبرى في صونِ الحركة ممّا قد يعيق سعيَ
الروح إلى أن تكون هذه الواحة الجماليّة أبدًا، خصوصًا وأن السنوات في عمرها
كَثُرَت والأحداث والأوضاع التي تحوطها صعبت وتفرّعت، والأزمنة تغيّرت.
ومِن
موقع المواكب لحياة الحركة اليوم في مشهدها العام وبعضِ محلّياتها، أطرح، ببساطة
واختصار، بعضَ أهمّ ما يُرجى الانتباه إليه:
أوّلًا:
أن يستسلم القادة الحركيّون المحلّيون إلى الأوضاع التي تصعَّب التواصل والتفاعل
المباشر مع بعضهم البعض، ومع الأمانة العامة الجامعة لهم والعاكسة لوحدة الحركة،
ووحدتهم، فيها، في المسيح، أو إلى أيّ سبب مانعٍ آخر. فتفقد الحركة إحدى أهمّ
السمات التي تشدّ الروح إليها، وهي الهويّة الوحدويّة وما تُشعِّ به على الحياة
الحركيّة المحلّية من شموليّة آفاقٍ وقضايا. وأعني بالتفاعل الحضور الكلّي للشخص
المسؤول والقائد، همًّا واهتمامًا، في هذا الاطار، وليسّ الجسديّ أو الرمزيّ وحسب.
ثانيًا:
أن ينشغلَ الحركيّون بتلبية ما أورثَهم إيّاه عُمر الحركة من اهتمامات وانشغالات
داخليّة عن الهمّ الذي من أجله وجدت الحركة ووجدوا فيها. همُّ الانشغال بالنهضة الشخصيّة
في المسيح وما يربّي عليها، وبحياة الكنيسة، بدءَا من تفاصيلِ حياة الرعيّة، مرورًا
بحياة الأبرشيّة، ووصولاً إلى حياة الكرسيّ الأنطاكيّ والكنيسة كلّها، وعن الأبعاد
الشهاديّة لايماننا خصوصًا اليوم في ظلّ ما يحوطنا في هذه المنطقة، والتي هي ليست
بشأنٍ يُضاف إلى ما كلّفنا الله به بل بشأنٍ من صُلب هذا التكليف. إقرأوا الحركة
لتعرفوا.
ثالثًا:
أن يُمسي غياب الشهادة للحقيقة، لئلّا أقول للحقّ، داخلَ الحياة الحركيّة وخارجها،
لمسايرة أو محاباةِ أو أسبابٍ ما عادة وليس استثناء، ليُضحّى بمكانة الحركة في
الضمائر بدل أن يُضَحَّى بالأسباب. وبالطبع ليس من تبرير للاستثناء.
رابعًا:
أن تظنّ فئةٌ في الحركة أو شريحةٌ أو
مجموعةٌ أو جيلٌ أو موهبةٌ أو مسؤولٌ أو شخصٌ أنَّ صحّة المسار،
والحقيقة، تنطلق من حيث ينوجد وتقف لديه، وأن يعتقد أحدٌ بكون أيُّ جمالٍ، إن وُجدَ
فيه، أو في أيّ منّا، إنّما هو من عنديّاته ويتنكّر لكونه من عند الله وصنيعةَ التكامل بين شرائح وأجيال ومواهب وقادة، وأن
الحركة، كما الكنيسة، بحاجةٍ إلى الكلّ دون استثناء لأنّ الكلَّ مدعوّ.
خامسًا: أن ينحرفَ بعضٌ، لتأثّراتٍ مختلفة، إلى عُصبةٍ ما
أو انتفاخٍ "تقويّ" وقوقعةٍ "تقويّة" لا يقلّان خطورةً وسوءًا
عن أيّ انتفاخٍ أو قوقعةٍ أخرى، أكانتا فكريّة ثقافيّة أم
انفتاحيّة أم غيرهما. فالسمات والمواهب في الأشخاص، أيّةً كانت، تَجَلّيٌ هي وليسَت
مظاهر وادّعاء.
سادسًا:
أن يَبهُت، وإن دونَ قصدٍ، أو لأسبابٍ وضعفات، سرّ الأخوّة بيننا، بتجلّياته كافة
دونَ تحديد، لأنّ به "يعرف العالم أنّنا تلاميذه."
هذا
بعض ممّا يُرجى الانتباه إليه، دون إغفال ما في الأجيال الحركيّة اليوم من جمالاتٍ
التزاميّة وفضائليّة كُبرى. الغاية هي الوصول بهذه الجمالات إلى ما يُفرح إلهنا
أكثر، وإلى رصفها في خدمة ما يَنهض بحياتها وحياة الحركة والكنيسة والمجتمعات
معًا، لنحجب ما يصدّ فعل الروح لأجل أن يُبدع في الحركة أكثر وأكثر.