العلاج ومحكمة السماء

 رينيه أنطون - 7 حزيران 2022

قبلَ أمس، وجّهَ صديقي الدكتور فادي أبو مراد نداءً يتعلّق بحاجة صديقٍ آخر، مريضٍ، الى دواءٍ للسرطان مفقود. 

بقدرِ ما عاينت في الصديقِ المريض الايمانَ والرجاء الكبيرين، والثقة التي لا تتزعزع بالله، وتقبّل حكم الطبيعة برباطة جأش مذهلةٍ، عاينت الفرحَ الذي سكنَ عينيه والحماسَ الذي ملأ كيانه لبدء العلاج بعدما وصَّف له الطبيب الحالة الصحيّة وسبل متابعتها، وأطلَّ بأمل الشفاء عليه.

إنْ كانَ هذا الصديق قد أُعطيَ من الايمان والقوّة والعقلانية والواقعية ما يجعله يستوعب الخيبَة الكُبرى الناتجة عن تعثّر ايجادِ العلاج في لبنان حتى اللحظة، فماذا عن غيره، الالاف والالاف، من المرضى أيضًا؟

ماذا عن المُصابين في ريعان شبابهم، أو عمّن هم من الاطفال والفتية، أو عمَّن يهابون، وبحقّ، تفاقم المرض لديهم، والموت؟

ماذا عن القلق والرعب والحزن  الذي يسكن هؤلاء، وما ترتجف به قلوبهم، والخيبة التي تفجّر ينابيع الدموع في عيونهم، ولا تجاريها خيبة في الحياة؟

بل ماذا عمّا يصيب أهاليهم والمعنيّين بهم مِن تعبٍ وشقاءٍ وموتِ ما قبل الموت، وهم يلهثون خلفَ علبة دواء من هنا او هناك؟

وماذا عن الوطأة المالية الكارثية الثقيلة جدًا، والتي تترافق ووطأة احتكار الأدوية، عليهم، وخاصة على الذين، منهم، لا سند لهم ولا داعم؟ 

إضافةً الى كون هذا الواقع يُدمي القلوب، ويدعو الى الضغطِ، بشدّة وبكلّ السبل الفاعلة، على المسؤولين، والى أن تنصبَّ جهود كلّ الناس والهيئات والجمعيات والمؤسسات اليوم، وأولاً، في اطار دعم الاستشفاء من الأمراض المستعصية…

فانه يجعلني في يقين أنَّ كلّ محاكم الأرض، كلّها مجتمعة، لن تكونَ بقامَة محاكمة المسؤولين عن هذه الحال، لحَجم جرمهم. وحدها محكمة السماء، التي قضاتها هؤلاء المرضى، ستحكم بما يلزم. أثق أنّها ستحكم، وسيستغيث المجرمون "الأغنياء" بضحاياهم مِن تحت، وستكون الأبواب موصَدة، وآذان أهل السماء مشغولة بالحان الخلاص، ولن يكون لهؤلاء مِن سامعٍ ومُجيب.