الفرديّة المجتمعيّة
رينيه أنطون - 30 آب 2021
الى تنامي الروح الفردية الشخصية المعتادة، فان أخطرَ تداعيات هذه الأزمة التي نمرّ بها (أزمة الانهيار الماليّ) هو التنامي المُخيف للفردية "المجتمعية" حيث بات ملحوظًا سعيُ أبناء كلّ منطقة، والسلطات المحلية فيها، إلى البحث عمّا يعالج تداعيات هذه الأزمة في منطقتهم دونَ غيرها من المناطق.
هذه الفردية تتناقض والمساواة بين المواطنين ومفهوم المواطَنة، وتُسهم بمزيد من الانقسامات والاحتقانات والصراعات والأحقاد في البلد، وتُشكّل فتيلاً لتفجير الأمن الاجتماعي.
ومثالاً في هذا السياق، والى ظاهرة سعي كلّ منطقة الى حلّ ازمة "كهربائها" بالاستقلال عن غيرها من المناطق، نرى مبادرة بعض البلديات الى تنظيم استلام المحروقات من قبل المواطنين على محطات الوقود وضبط التنظيم والمرور ومنع أسباب الاشكالات والفوضى فيها. فلو أَن اقتصر الأمر على هذا الشأن لكانَ أمرًا مرجوًّا أينما كان. لكن أن يكون السبيل إلى هذا هوَ حصر حقّ استلام المحروقات من المحطات الواقعة في نطاق هذه البلديّات بابناء المنطقة دونَ غيرهم، أو أن يكون السبيل منحَ أبناء المنطقة أولوية "مرور" على غيرهم، فهو تجلٍّ لهذه الفردية الخطيرة وانعكاسٌ لها.
المساواة "الدستورية" بين المواطنين هي الضامنة للأمن المجتمعي، وأولى شروطها أن تتساوى الامكانات العامة الموضوعة بتصرّف أيّ من المواطنين ومنطقته بتلك الموضوعة في تصرّف الآخر ومنطقته، وأن يكون ما هو متاحٌ لهذا منهم من قبل السلطات العامّة متاحًا للآخر. وهذا أمرٌ، أكانَ في سياق الكهرباء ام المحروقات، أم في اي سياقٍ كان، مُفتقَدٌ الى اليوم في لبنان.
ليسَ الحلّ لأقسى الأزمات باستسهال الحلول والهروب من الحُفر الى الهاوية، وإنًما بتعاضد وتكاتف كلّ المواطنين والمناطق والشرائح. بهذا التعاضد يُعالَج فشل السلطات ويواجَه غباء إدارتها. ويبدو أنه الأمرُ الحُلم.